الحدود الشرقية بين لبنان وسوريا: ارتفاع الطلب على السلاح

يقف ابراهيم في أرضه الزراعية بمشاريع القاع على بُعد أمتار قليلة من ساتر ترابي يفصل بين لبنان وسوريا. تمر دراجة نارية عليها شابان سوريان من أعضاء "هيئة تحرير الشام"، يحصل تلاسن بسيط بينهم، ليذهبا بعدها ويعودا برفقة عدد كبير من رفاقهم المسلحين، يعتقلون ابراهيم ويقتادونه إلى سوريا إلى أن تنجح اتصالات أمنية من الجانب اللبناني مع الجانب السوري في الإفراج عنه.
هذه واحدة من الحوادث التي وقعت بعد سقوط النظام السوري في نقطة صغيرة من النقاط الحدودية المترامية التي تربط لبنان بسوريا بطول 375 كيلومترًا من الأراضي والتضاريس المعقدة والمتداخلة، وعائلات تتشارك جانبي الحدود، ومنازل يقع نصفها في الجانب اللبناني والنصف الآخر في الجانب السوري. وتتزايد التقارير والأخبار والمعلومات عن تنشيط عمليات بيع السلاح وشرائه في بعض القرى اللبنانية خوفًا من المستقبل على هذه الحدود. فماذا يحدث هناك؟
رئيس بلدية الهرمل علي طه، سألناه عن تقارير إعلامية تتحدث عن تهديدات باجتياحات ومذابح قد تتعرض لها القرى الحدودية، فشدّد لموقعنا على أن الهرمل وأهلها تحت سقف الدولة وخلف الجيش اللبناني والقوى الأمنية. "نتابع الوضع بحذر ووعي، ونرفض أي خطاب يزرع الخوف بين الناس، ونعمل على تعزيز التعايش مع الجوار لأن الأولوية ستبقى دائمًا للحفاظ على سلامة مجتمعنا في إطار القانون والدولة. ونحن منذ زمن بعيد نسعى إلى العيش مع جيراننا في المناطق السورية بروح الود والمحبة، وعلاقاتنا التاريخية تشهد على ذلك."
وعن الخوف من تكرار أحداث كتلك التي حصلت في بلدة حوش السيد علي، خصوصًا في ظل انتشار السلاح بين أبناء العشائر البقاعية ووجود عدد كبير من النازحين السوريين من لون مذهبي محدد في الهرمل، يقول طه: "الهرمل تضم نازحين من مختلف الأطياف والمذاهب، ولم يُسجَّل فيها حتى الساعة أي حادث يثير القلق. أما سلاح العشائر، فهو معروف تاريخيًا وليس أمرًا مستجدًا، ويرتبط بخصوصية المجتمع وطبيعة المنطقة، لكنه يخضع دائمًا لضوابط وأعراف تمنع الانفلات. نؤكد أن الهرمل تلتزم بالعيش المشترك والتعايش السلمي مع جميع جيراننا، ونقف دومًا خلف الجيش اللبناني."
وعما إذا كانت هناك إجراءات محددة تتخذها البلدية لمساعدة القوى الأمنية في ضبط تلك الحدود الواسعة، أفاد طه بأن الأمور مرهونة بالكامل للجيش والقوى الأمنية اللبنانية، باعتبار أن البلدية لا تملك أي قدرات أمنية لمراقبة الحدود. "دورنا هو تسهيل عمل تلك القوى والحرص على التواصل المستمر معها بهدف الحفاظ على الأمن والاستقرار."
بدوره، أشاد نائب رئيس بلدية القاع طوني نعوس بجهود الجيش اللبناني لضبط الحدود في ظل الظروف الصعبة التي يمر بها لبنان، وقال إن الخوف والحذر أمر طبيعي، ولكن دورة الحياة في البلدة مستمرة في شكل أكثر من عادي، وكثافة حضور المهرجانات والحفلات الفنية خير دليل على ذلك. والبلدية على اتصال وتنسيق دائم مع قيادة الجيش اللبناني ومديرية المخابرات عند ملاحظة أي أمر غير طبيعي في الحدود الكبيرة ومعابر التهريب غير الشرعية التي تحتاج إلى جهود مضاعفة لضبطها بعد الأحداث السورية الأخيرة.
مخاوف وهواجس من ترسيم الحدود بالدَم قبل السياسة
وفي حين انتشرت أخبار عن تزايد حركة بيع السلاح وشرائه وارتفاع الأسعار في المدة الأخيرة نتيجة ازدياد المخاوف في المنطقة من أي تحرك سوري نحو القرى اللبنانية، أكد أحد تجار السلاح في المنطقة صحة هذه المعلومات. ولدى سؤاله هل لاحظ أي طلب على أصناف محددة من السلاح ومن جهات معينة، أجاب بأن الجميع في لبنان يحاول شراء السلاح لحماية نفسه، ولكن الملاحظ أن أبناء الطائفة الدرزية في لبنان باتوا بعد أحداث السويداء أكثر المشترين، فيما يمتلك أبناء الطائفة الشيعية فائضاً من السلاح الفردي المنتشر بكثافة في قرى بعلبك الهرمل، سواء كان من جهة العشائر أو التشكيلات الحزبية.
أما الأسعار فهي في حالة ارتفاع حاليًا نتيجة الطلب المتزايد، فبعدما تدنى سعر بندقية الكلاشينكوف سابقًا إلى نحو 300 دولار، عاد وارتفع إلى حدود 600 دولار، وقفز سعر صندوق الذخيرة من 190 دولارًا إلى 350 دولارًا، ومخزن الذخيرة من 15 إلى 35 دولارًا، وقاذف الـ B7 بين 250 إلى 400 دولار، وقذيفته بين 60 إلى 200 دولار، بينما حافظت المسدسات الفردية نوعًا ما على أسعارها التي تراوح بين 1000 إلى 3000 دولار. ولوحظ ازدياد الطلب على بعض أنواعها، وفقدان بعض الأنواع مثل Glock.
وتشير مصادر أمنية في المنطقة إلى أن كل التقارير التي تحدثت أخيراُ عن تعزيز حركة انتشار الجيش وتهديدات وردت من الجهة السورية بخطف عناصره لمبادلتهم بسجناء سوريين هي عارية من الصحة. فالجيش في حالة يقظة مستمرة، وحركة تبديلاته العسكرية روتينية، وأهل القرى الحدودية يسمعون أزيز الطائرات المسيَّرة التابعة للجيش والتي تراقب الحدود في شكل متواصل، إضافة إلى الأبراج المنتشرة على الجبال الحدودية بين البلدين وفوج الحدود البري. والجيش لن يسمح بأي تعدٍ على سيادة الأراضي اللبنانية، وجهوده مستمرة في مكافحة تهريب السلاح والممنوعات.
وفي المدة الأخيرة، بذلت مديرية المخابرات جهدًا مضاعفًا لإقفال طرق التهريب من الجانب اللبناني، بينما ألقت الأجهزة الأمنية القبض على مهربين عدة كانوا يخبئون السلاح بطرق مختلفة، آخرها عبوات حليب الأطفال تجهيزًا لإدخاله إلى لبنان، هذا عدا شحنات من صواريخ "غراد" عُرضت صورها على الإعلام.
وتختم المصادر بأن الأجهزة الأمنية تقوم بكل المطلوب منها لضبط الحدود، ويبقى للاتصالات السياسية بين البلدين أن تعالج بعض الملفات العالقة كترسيم الحدود وتكثيف الاتصالات المشتركة والتعاون الأمني والعسكري وتبادل المعلومات بما يساعد فى تنفيذ المهمات على جانبي الحدود، وإبعاد شبح أي توترات أو إشكالات أمنية في المستقبل.