المستشفيات في بعلبك الهرمل : مريض يداوي مريضًا

المستشفيات في بعلبك الهرمل :  مريض يداوي مريضًا

عند سرير في مستشفى العاصي يقف أهل الطفلة المريضة في بهو يشبه كل شيء إلا المستشفى، هنا الوجع يصبح مضاعفًا من جهة الجسد وجهة عدم إكتراث الدولة بكل ما يحصل في هذه المؤسسات الصحية.

ينقسم الواقع الإستشفائي في منطقة بعلبك الهرمل بين مستشفيات حكومية وخاصة تتشارك في الحرمان ونقص الكادر الطبي والتمريض، وبين أطباء إختاروا الصمود في بلداتهم رغم الفوارق المادية الكبيرة بينهم وبين زملائهم في عيادات بيروت ومستشفياتها. 

في منطقة تضم نحو ٤٠٠ ألف مواطن،  وقرى مثل القاع ورأس بعلبك تقارب مساحتها مجتمعة مساحة قطاع غزة، لا تجد سوى طبيب واحد للأسنان ومستوصف رعاية صحية تابع لرعية مار الياس. على مسافة طريق اكثر من ٦٠ كيلومتر لا تجد عيادات خاصة وأطباء سوى بعدد محدود وقليل جدًا. ويتندر ابناء هذه القرى ويستذكرون المرحوم الطبيب المشهور بالمأمون الذي عاين لوحده كل أبناء هذه القرى في الثمانينات والتسعينات مهما تنوعت أوجاعهم  

عدد كبير من أبناء هذه القرى تعلّم وتخصّص ولم يعد يأتي الى بلدته سوى زائر او في المناسبات الاجتماعية. وعندما تسأل عن الأسباب التي تمنعهم من ممارسة مهنة الطب وفتح عيادات خاصة لهم في قراهم، يشترك الجميع في السبب الأول وهو الإقتصادي ومن ثم الإجتماعي والأمني. بطبيعة الحال يختلف الأمر في مدينة الشمس بعلبك حيث الكثافة السكانية والامكانات كبيرة نسبيًا، التي تسمح لعدد من أبنائها الأطباء بفتح عيادات واستقبال المرضى. ويشير طبيب متخصص في الأورام الخبيثة من أبناء المنطقة إلى معضلة تواجه عدد كبير من زملائه في منطقة بعلبك الهرمل حيث أنهم درسوا في روسيا وهذا ما يحول بينهم وبين العمل في مستشفيات بيروت الكبرى، ويضعف ثقة الناس بهم الذين يميلون الى اطباء تخصصوا في لبنان او في دول اوروبية واميركية.

صعوبات المستشفيات 

الدكتور  أنور محي الدين  إختصاصي جراحة الأطفال وحديثي الولادة  يقول  أن "المنطقة نائية مليئة بالصعوبات أبرزها المحاصصة والتقسيمات الحزبية وهيمنة فريق على باقي مكونات المجتمع ومن ثم يأتي فقدان المراقبة و المحاصصة. لو ان كل طبيب يعمل وفق إختصاصه مع إحترام الإختصاصات الثانية لكانت الدنيا بألف خير. لكن  أكثرية المستشفيات تبحث على الارخص". يضيف  انا شخصيا" بقيت هنا لأنني كلي امل في لبنان وأردت خدمة أهلي. وفاتحت وزير الصحة بموضوع نقص طبيب بنج للاطفال في حال أردنا اجراء عملية له مثلًا ولكنني لم ألق جوابًا مقنعا. مشكلة وزارة الصحة مركزية اعمالها في بيروت وعدم إهتمامها بمناطق الأطراف ونحن أولهم".

الدكتور انور محي الدين

في الحديقة الأمامية لمستشفى الهرمل الحكومي مشهد قد لا تراه العين في كل الشرق الأوسط، مواطن يفترش الأرض واضعًا "الأركيلة" الى جانبه ينفث الدخان الذي قد يدخل الى رئة مريض. مشهد يُلَّخِص حالة الإهتراء في مؤسسات الدولة: تجهيزات المستشفى اُهملت وكذلك البناء ، نقص كبير في الاطباء والممرضين، وبنتيجة ضغط النزوح السوري تحول المستشفى الى مستوصف يعتني بهم ويضعون موتاهم في براده.

اركيلة امام المسشتفى
تسأل جورج ابن القاع الذي يقع مستشفى الهرمل على حدود قريته عن ثقته بهذا المستشفى في حال تعرض لاي طارئ فيجيب " منيح في هيئة مستشفى أحلى من البلاش ". ويضيف"  لكن احد اقربائي، بترت رجله بسبب الاهمال جراء التفجيرات الارهابية عام ٢٠١٦".

تختلف حال مستشفى البتول في الهرمل عن حال جاره الحكومي لانه مدعوم من هيئة صحية حزبية. مدير المستشفى الحاج علي شاهين  يلفت الى ان "الواقع الصحي في منطقة بعلبك – الهرمل  لم يكن في منأى عن تداعيات أزمة النزوح السوري، بل شكّل هذا الملف تحديًا إضافيًا وكبيرًا للمستشفيات، خصوصًا في مدينة الهرمل التي كانت الوجهة الأولى لأعداد كبيرة من النازحين. فقد تجاوز عددهم ستين ألف نازح، ما فرض حاجات ملحّة على مستوى المأوى، والطعام، والخدمات الطبية". وكانت المستشفيات "وفي مقدّمها مستشفى البتول، على قدر كبير من المسؤولية، حيث لعبت دورًا محوريًا بالتعاون مع مختلف الجهات المعنية للوصول بالأزمة إلى برّ الأمان الصحي. وساهمت في هذا الجهد المؤسسات الاجتماعية والهيئات الصحية، إلى جانب حزب الله الذي تكفّل بالجزء الأكبر من الأعباء المالية واللوجستية والخدماتية والاستشفائية،كما كانت وزارة الصحة العامة حاضرة ضمن الإمكانات المحدودة المتوفرة لديها من مستلزمات طبية وغيرها. فيما ساهمت مؤسسات دولية مثل الصليب الأحمر الدولي في معالجة الإصابات الحربية، إلى جانب جمعيات مدنية تكفّلت باستشفاء عدد من النازحين وإجراء عمليات جراحية طارئة لهم".

علام مع وزير الصحة

ويشير الى انه في لقاء  مع  وزير الصحة ركان نصار الدين خُصّص لبحث ملف النازحين، وخصوصًا اللبنانيين الذين نزحوا من القرى المجاورة للهرمل، تمّت مطالبته بزيادة الأسقف المالية للمستشفيات لتمكينها من استيعابهم ومعالجتهم على نفقة الوزارة. وقد وعد الوزير بمعالجة الموضوع مؤكدًا أنه على طريق الحل في القريب العاجل . بإستثناء وزارة الصحة ، الدولة غائبة". 

تؤكد إدارة المستشفيات في منطقة بعلبك – الهرمل أن "المطلوب في المرحلة الراهنة هو رفع الأسقف المالية للمستشفيات، وزيادة عدد الكودات الجراحية، إضافة إلى رفع نسبة الاستشفاء من 65 في المئة  إلى 80 في المئة كما كانت في السابق". 

اما عن الاستشفاء الخاص، فيقول  " وجود مستشفى جامعي في المنطقة يعد  عاملًا أساسيًا في تعزيز قدرة القطاع الصحي على استقبال الحالات الحرجة والمعقدة، والتي قد لا تستوعبها بعض المستشفيات الحكومية نظرًا  الى عدم توافر الخدمات الطبية المتخصّصة لديها، رغم التحسّن الملموس في أداء المستشفيات الحكومية، وخصوصًا مستشفى بعلبك الحكومي الذي شهد تنوعًا ملحوظًا في خدماته الاستشفائية والجراحية".

ويتحدث عن صعوبات تتعلق بـ" تأخر العديد من الجهات الضامنة، من وزارة الصحة والضمان الاجتماعي وتعاونية الموظفين وغيرها، في دفع المستحقات، حيث يُدفع قسم منها كسُلف، بينما يتأخر قسم آخر لأشهر طويلة، ما يحمّل المستشفيات الخاصة أعباءً مالية إضافية. وكذلك عن صعوبة تأمين الكادر الطبي والتمريضي والفني واستمراره، في ظل الرواتب المتدنية التي تدفعها بعض المستشفيات الحكومية والخاصة، الأمر الذي أدى إلى تسرب العديد من العاملين إلى دول الجوار".

مستشفى الهرمل الحكومي

دار الامل والصراع باللحم الحيّ

تحرص زينب إبنة بلدة العين أن تقول بانها لا تثق في كل بعلبك الهرمل إلا بمستشفى دار الأمل في بعلبك لأنه مستشفى جامعي وهي تفضل ان تتوجه من بلدتها الى هناك رغم المخاطرة على صحتها على أن تذهب الى مستشفى آخر. مستشفى دار الامل  معتمد جزئي جامعي وهو يتعاون مع كلية الطب وكلية الصحة في الجامعة اللبنانية ومع الجامعة الاسلامية  وجامعة الصداقة في موسكو كما لديه توأمة مع مستشفيات لوغارنو سويسرا، ومعهد تمريض خاص. والمستشفى نال نصيبه من استهداف اسرائيل لمبنى مجاور له حيث قضى مديره علي علام برفقة خمسة أطباء . 

ويعدّد محمود علام المدير الإدراي في المستشفى  التحديات التي تواجه مستشفيات  بعلبك الهرمل  منها " الأزمات الاقتصادية، والحروب، ونقص التمويل، وهجرة الكفاءات، نقص الموارد،الغلاء المعيشي،أزمة المعاشات والوقود والغذاء، فضلاً عن التوترات الأمنية والسياسية المتكررة. ورغم كل هذه الظروف القاسية، لا يزال هذا القطاع الحيوي يصارع  باللحم  الحيّ، مثبتًا أنه قطاع يأخذ في الإعتبار أوليات احتياجات المرضى والجرحى".  لعب مستشفى دار الامل دورا" كبيرًا  بدعم المستشفيات الأخرى كما لا ننسى ايضا" تأثرنا كثيرا" بالنزوح السوري الذي حصل هذه الفترة .

خلال الأزمات قامت وزارة الصحة  والجمعيات المحلية  والبلديات وفعاليات المنطقة  في منطقة بعلبك الهرمل بتنظيم خلية الأزمات، وسعت الى تدريب العاملين بالقدرات المتوفرة وتقديم بعض المساعدات  للمساعدة على الاستمرار. لكن كان ينقص توفر خدمات صحية  مثل ادارة الحروق".

ودعا الى معاملة خاصة  لمنطقة بعلبك الهرمل والعمل على تحقيق":ميزانية خاصة مالية وموارد ودعم خاص لملسستشفيات الموجودة في المنطقة الحمراء . انشاء مركز طوارىء في بعلبك  للأمور الصحية والاوبئة وغيره من ازمات ينسق مع مركز بيروت  في وزارة الصحة والبلديات والجمعيات المحلية ، الاهتمام بالكوادر الصحية واليد العاملة  في  القطاع العام والخاص . تركيز على مراكز التعليم المهني. التوجه الى تخصصات التمريض والاطباء (طوارىء ، عنايات ،ادارة الازمات النفسية والصدمات ،الحروق) التحول الرقمي في الملف الطبي والنماذج المرسلة للجهات الضامنة والوزارات وغيره لتسهيل العمل، ومساعدة المستشفيات على اعادة بناء الاماكن المتضررة لديها. العمل على ان انشاء مركز  ابحاث ودراسات في المنطقة ".


 

طاقم مستشفى دار الامل

 

اقرأ المزيد من كتابات بشير ي. مطر