فنجان قهوة
الثقيلة والخفيفة
يعاني كثير من العرب من صعوبة لفظ حرف P الأجنبيّ. وغالبًا ما يلفظونه B. وأذكر من أيّام المدرسة الابتدائيّة في الإسكندرية (مصر)، أنّه كلّما لفظ مدرّس اللغة الإنكليزيّة كلمة تحتمل وجود أحد هذين الحرفين، كان معظم الطلاب يسأل : الثقيلة أم الخفيفة يا أستاذ؟ أمّا الخفيفة عندهم فهي B وأمّا الثقيلة فهى P. وأعتقد أنّهم كانوا يصفونها بالثقيلة لأن هذا الحرف غير موجود في اللسان العربيّ. وكبر طلاب كثيرون في العمر وحملوا معهم ثقل هذا الحرف. أعرف مَن تخرّج في جامعة، متخصصّا في لغة أجنبيّة، وصار صحافيًّا، كان يقول Balestine وهو لا يقصد الصواريخ البالستية ballistic بل دولة فلسطين.
والمتعلّمون في لبنان وفي بلدان عربيّة كثيرة يتكلّمون الإنكليزيّة أو الفرنسيّة أو كلتيهما بطلاقة، لكن حين يتحدّثون بالعاميّة تختلط الباء الخفيفة بالثقيلة، فتسمع معظمهم يقول Bolice بدلًا من Police و Baris بدلًا من Paris (أو حتى باريز) وحبّة Banadol بدلا من Panadol. وفي الفيسبوك قرأت ما كتبه أحدهم معرّفًا عن نفسه بالأحرف اللاتينيّة مستخدما "الثقيلة" Iprahim وأكاد أجزم أن اسمه ابراهيم! وكنت أعرف منتجًا في بلد عربيّ يملك شركة إنتاج وتوزيع أفلام ومسلسلات، وكان قد كتب في أوراق الشركة المخصّصة للرسائل والعقود Brodaction and Distripution فاختلت الموازين واختلطت الثقيلة بالخفيفة.
لكنّني سمعتُ في العراق بسطاء يلفظون الحرف "الثقيل" صحيحًا. يقولون بلسانهم العاميّ Police. وتنبّهت إلى أنّ هذا يمكن أن يكون من تأثير الفارسيّة التي بها ذلك الحرف إيّاه. وكنّا نحن نلفظ اسم الشاه السابق رضا بهلوي Bahlawi لأنّ المرء ما إن يرى حرف الباء مكتوبًا باللغة العربيّة، حتّى يذهب ذهنه إلى B ويستبعد الـP تلقائيًّا. ثمّ سمعت إيرانيّين يلفظون اسمه بالثقيلة؛ حتّى الواو تصير V فيقولون Pahlavi لكنّهم يقولون رظا Reza بدلًا من رضا. وهذه حكاية أخرى.
لنبقَ في مجال الـ B والـ P. من أطرف المواقف التي عشتها بسبب هذا الإبدال، أنّني كنت برفقة صديق عربيّ في لندن. هو يقود السيارة وأنا بجواره. وعلى مقربة من ميدان trafalgar square (ميدان الطرف الأغرّ) أراد أن يركن سيارته. وبلهجته الإنكليزيّة المحمّلة بهموم الخفيفة والثقيلة، سأل الشرطي الواقف في الشارع: Can I bark here? فحملق الشرطي في وجهه مندهشًا. أخونا لفظpark على طريقته bark وهذه تعني النباح!! فقال الشرطيّ بالسخريّة الإنكليزيّة: "أنت حرّ... انبح كما تريد.. لكن أن تركن السيارة هنا، فممنوع"!!