اتّفاق الحكومة و«المركزيّ»: 16.5 مليار دولار دين على الدولة
علم «كافيين دوت برس» أنّ الاختلاف في وجهات النظر بين مصرف لبنان من جهة، ووزارة الماليّة (ومن خلفها الحكومة) من جهة أخرى، في ما خصّ دين الـ16.5 مليار دولار، وإن كان يجب تحميله إلى الخزينة العامة أم لا، هو مُجرّد أخذ وردّ علنيَين. أما ضمنيًا فيوجد اتّفاق سرّي بين الاثنين على اعتباره دينًا عامًا تتحمّل مسؤوليته الدولة.
مبلغ الـ16.5 مليار دولار، ظهر للمرة الأولى في شباط الـ2023، حين قرّر رياض سلامة قبل تسليمه مركزه إضافة المبلغ إلى بند «قروض للقطاع العام» في ميزانية مصرف لبنان، كدين على الدولة بدل الدولارات التي «صرّفها» مصرف لبنان للقطاع العامّ، رغم أنّ الحكومات كانت تدفع هذه الأموال لمصرف لبنان، بالعملة التي تسدّد بها للقطاعين العامّ والخاصّ، أي الليرة اللبنانيّة. وقد شُكّلت لجنة مُشتركة تضمّ ممثّل عن مصرف لبنان، وزير الاقتصاد عامر البساط، ممثّلين عن وزارة المالية، وقد تعاقد مصرف لبنان مع شركة «كاي بي أم جي - KPMG» (وهي واحدة من أربع أكبر شركات محاسبة في العالم) لتتولّى التدقيق في موضوع هذا الدين. يقول أحد المسؤولين المصرفيين لـ«كافيين دوت برس» إنّ القوى الثلاثة «متّفقة على أنّ الدولة تتحمّل مسؤوليّة دين الـ16.5 مليار دولار، والتدقيق التي تُجريه الشركة العالميّة سيخرج بهذه النتيجة. عندئذ ستستند إليه الحكومة للقول إنّه أجرينا تدقيقًا ولا يُمكن إلّا الالتزام به». وتُضيف المصادر أنّه «صحيح أنّ وزارة الماليّة كانت تطلب دولارات وتُحوّل قيمته بالليرة اللبنانيّة، لكن خلال مرحلة مُعيّنة لم تعد المبالغ بالليرة في الحساب رقم 36 كافية لسدّ الدين بالدولار. ظهر هذا الفارق الكبير حين حُوّلت الميزانية من 1500 ليرة إلى 15 ألف ليرة»، مؤكّدًا أنّ «وزراء الماليّة المتعاقبين من علي حسن خليل، غازي وزني، ويوسف خليل، كانوا يوقّعون على ذلك». مُجدّدًا هذا الدين لم يظهر في أيّ من حسابات مصرف لبنان المنشورة، «يُمكن القول إنّ ما قام به رياض سلامة كان قلّة شفافية، ولكنّ الدين موجود». غياب الشفافية يأتي من الرغبة في إخفاء أمر غير صحيح ودقيق وتشوبه علامات استفهام. فإن كان وزراء المالية موقّعين فعلًا على فواتير هي عبارة عن ديون على الدولة اللبنانية، لم يكن من سبب يستدعي إخفاءها، وإظهارها فقط حين تبدّل سعر الصرف المُعتمد لإتمام ميزانيّات مصرف لبنان. وحتّى تدقيق الشركة الأجنبيّة، التي صدرت بحقّها وحقّ زميلاتها تقارير عدة عن تجاوزات وشبهات إخفاء معلومات، لن يُعتبر موثوقًا طالما أنّه يوجد نية للتأثير على نتيجته قبل صدوره. يُعلّق المسؤول أنّه «حتى ولو سلّمنا جدلًا بأنّه لا دين على الدولة، فالمادة 113 من قانون النقد والتسليف تُجبرها على إعادة رسملة مصرف لبنان حين يكون هناك خسائر في ميزانيته».
إذا كان لا مُشكلة إذًا في احتساب هذا الدين، أين العقدة إذًا؟ ولماذا لم يتم الانتهاء من العمل على مشروع قانون الفجوة الماليّة؟ «لأنّ الحاكم كريم سعيد لا يُريد توقيع اتفاق مع صندوق النقد الدولي، في حين أنّ وزير الماليّة والاقتصاد ياسين جابر وعامر بساط، يُريدان بشدّة توقيع الاتفاق معتبرين إياه أساسيًا لإنقاذ لبنان». خلال لقاءاته في واشنطن، كان سعيد واضحًا أمام من التقاهم «هذا ما لدينا من اقتراحات في ما خصّ إصلاح القطاع المصرفيّ، السريّة المصرفيّة، وقانون الفجوة. إذا وافقتم عليهم كان به، وإذا لم توافقوا، فأنا كمصرف لبنان قادر على إنتاج الحلول من دون اتفاق مع صندوق النقد». ما قاله سعيد إنّه لن يوافق على التعديلات التي يُطالب بها صندوق النقد، خاصة في ما يتعلق بأوضاع المصارف. يسنده في قراره هذا «لوبي المصارف»، والموقف الجذريّ المعارض لهذا الاتفاق للمصرفي أنطون الصحناوي، وموقع الأخير القوي داخل الولايات المتحدة الأميركيّة الذي يسمح له بتسويق أجندته ومحاولة فرضها. معركة جديدة داخل الفريق نفسه لا تأخذ مصلحة المجتمع اللبنانيّ بالاعتبار.