المكتبات العامة في بعلبك الهرمل بقعة ضوء في عتمة الحرمان
يقف الطفل حسين أمام المبنى الذي كان من المفتَرَض أن يكون البناء الجديد للمكتبة العامة في بعلبك يلهو ببعض الحجارة التي لم يكتمل بنيانها، ولم يكتمل معها المشروع، رغم تعاقب عدد من المجالس البلدية التي تعهدت بإكماله، كي يشكل مساحة تلاق وسلام بعيدًا عن ثقافة الرصاص التي تُظَلِّل مدينة الشمس عند كل مناسبة فرح أو حزن.
بعلبك مدينة الشمس والقلعة الشاهدة على التاريخ والحضارة الرومانية لم تُعِر الأطراف السياسية المسيطرة عليها، أي إهتمام كافٍ بهذا الجانب. لا بل فَضَّلت الإستثمار في شراء الرصاص على شراء أقلامِه فبقيت المكتبة العامة بضعة جدران حزينة على ما آلت إليه أحوالها بعد أن كانت فسحة آمنة للقراءة مقابل إشتراك رمزي بلغ ألف ليرة فقط .
أُقفِلَ المكان بحجة توسيع المساحة المخصصة للقراءة وتم تدشين المشروع الجديد في العام ٢٠١٤ وبقي معلّقًا منذ ذلك الوقت حتى يومنا الحالي بين الوعود وانتظار التمويل الذي تحججت به البلديات المتعاقبة .
يحتفظ بلال بذكرى جميلة للمكان القديم حيث كان يزوره للإستمتاع بقراءة الكتب التاريخية التي لا تزال محفوظة من المكتبة القديمة التي أُقفِلَت كونها كانت مهددة بالإنهيار كما يفيد بعض الأهالي. بدوره محمد نزهة من بلدة النبي عثمان إعتاد زيارة المكتبة العامة التي أُقفِلَت أيضا".
مكتبة الهرمل صامدة
في المقابل لا تزال المكتبة العامة في الهرمل صامدة. وفي جوابه على سؤال لموقعنا حول الأسباب التي جعلتها تصمد يجيب مدير المركز الثقافي لمدينة الهرمل عبدلله ناصر الدين بأن "المكتبة العامة في الهرمل جزء من المركز الثقافي لبلدية الهرمل. وبالتالي فأن الحركة الثقافية لا تقتصر على القراءة والمطالعة وإعارة الكتب وانما هناك انشطة متعددة تدعم حركة المكتبة.حيث تنظّم دورات الرسم والموسيقى والتأهيل الدراسي والدعم الاجتماعي النفسي والاشغال اليدوية وتقام الندوات واللقاءات المتعددة العناوين. وقد شكلت هذه الانشطة مجتمعة حاضنة لاستمرار المكتبة بتقديم خدماتها، وجعلتها حاضرة في قلب الحراك الثقافي دون أن تتأثر كثيرا بالظروف التي طرأت على الحياة الاجتماعية خلال السنوات الماضية". ويضيف ان" المكتبة العامة تقدم خدمات ثقافية متنوعة وتفتح ابوابها وبالتعاون مع بلدية الهرمل لاستضافة اللقاءات وورش العمل ذات الطابع الانمائي والتعاون مع الوزارات والجمعيات في هذا الاطار ".
في مجتمع حدودي صبغه البعض بالتهريب وتجارة بالمخدرات وطالته الحرب الاسرائيلية الاخيرة في شكل عنيف هناك مكان للوعي والثقافة. وفي هذا الاطار يقول ناصر الدين ردًا على سؤال عن مدى مساهمة هذه النشاطات في إبعاد فئات المجتمع عن الآفات الاجتماعية وتداعيات الحرب " من الطبيعي ان تكون المهمة الاساسية للمراكز الثقافية والمكتبات العامة رفع مستوى الوعي لدى الافراد وتقديم خدمات المعرفة لدى الناشئة وتوجيههم وارشادهم على نحو يؤثر في سلوكياتهم. مما ينعكس ايجابا على المجتمع ويحدّ من المخاطر ويخفف من التداعيات السلبية التي تنتج عن الازمات". ويختم ناصر الدين حديثه بنفي "وجود اي مساهمة مالية لدعم المكتبة من الدولة أو وزارة الثقافة ".
القاع حركة ثقافية ناشطة
يرى الياس نعوس يرى يومه ناقصًا اذا ما غاب عن مركز المطالعة في القاع، ويحضر مع رفاقه لمتابعة النشاطات وقراءة الكتب .
في القاع، شَكَّل مركز المطالعة والتنشيط الثقافي منذ تأسيسه مساحة للتلاقي بين ابناء البلدة الواحدة إن كان من خلال النشاطات الثقافية او التربوية او الاجتماعية. واخيرًا إحتضن المبنى الحديث على طريق عام البلدة والذي أنشأ بتمويل من وكالة التنمية الاميركية USAID حفل تكريم مدعي عام البقاع الأسبق القاضي منيف بركات في حضور عدد كبير من الشخصيات السياسية والعسكرية والدينية". مديرة المركز اولغا التوم التي تهتم بتطوير المركز واقتراح النشاطات تقول" ان اهداف المركز الأساسية الاهتمام بالقضايا الاجتماعية والمسائل الثقافية وخلق الشخصيات الشبابية وتشجيع الطاقات الإبداعية. و احتضن المركز عدة مبادرات ومحاضرات نسائية ، وهنا تتنوع نشاطات المركز لتشمل كافة فئات المجتمع انما التركيز الاساسي يبقى على دور الشباب مثل مشروع الادماج الاجتماعي والثقافي الذي ينفذ الآن بالتعاون مع Departement du savoie en France
والذي يهدف الى ادماج الشباب من عمر ١٦ حتى عمر ٣٠ عبر تدريبات مهنية تتلاءم مع الواقع المحلي .مشروع المرونة لمناقشة سلسلة تمكين المرأة اقتصاديًا واجتماعيًا قيد التنفيذ ايضًا، مع منظمة أبعاد . ومن المشاريع الأساسية التي عمل عليها المركز مع مؤسسة D'Orient S.O.S. chrétiens مشروع تعليم الأطفال وصقل مهاراتهم باللغة الفرنسية". وتشيد التوم بالتعاون النشيط مع وزارة الثقافة والبلدية التي لم تتوان عن تقديم الدعم للمركز التابع لها من خلال فتح آفاق العمل والتعاون والمساعدة على توسيعه مع منظمات دولية كاليونيسف والمجلس الثقافي البريطاني. وبعد التفجيرات الارهابية التي عصفت بالبلدة عام ٢٠١٦ ساهم المركز بتأسيس مركز الدعم والإنقاذ Rescue Team التابع لبلدية القاع بالتعاون مع USAID وجمعية Mayday Rescue
شَكَّلَت المكتبات العامة ومراكز التنشيط الثقافي المختصرة بـ Clac في البلدات التي صمدت فيها منذ أن أُطلق المشروع العام ٢٠٠١ بالتعاون مع المنظمة الدولية للفرنكوفونية بقعة ضوء ثقافية وتربوية في زمن الحروب والأزمات الاقتصادية والاجتماعية، وفي بعلبك الهرمل لا يزال هذا الضوء مُشِّعا" حيث أمكنه الصمود بين الشباب والأطفال والعامة يقاوم الحرمان والجهل.





