الجنوبيون: زنار النار لا يزال قائمًا
من ضربة المصيلح
لم تنته الحرب في الجنوب بالمعنى العملي مع الاعلان عن وقف اطلاق النار في تشرين الثاني الماضي. ولا يتعلق الامر فحسب باستمرار احتلال اسرائيل للنقاط السبع، بل باستمرار عمليات القصف والاغتيالات وتدمير البنى التحتية. واذا كانت اصوات القصف لا تصل الى بيروت، على عكس الحرب التي وصلت الى مشارف العاصمة، فان الجنوبيين باتوا يتعاملون مع يوميّات القصف على انها حالة تصيب جزءًا من لبنان ولا تصيب الجزء الآخر، وان تعرضهم الدائم للاستهدافات الاسرائيلي لم تعد تعني احدًا.
يعبّر أحد سكان الجنوب عن حزنه لما يشعر به حين يتواجد في بيروت أو أي منطقة أخرى يقصدها خارج النطاق المهدّد حيث يدرك ان قيمته كفرد اختلفت فقط لخروجه من قريته. ويقول " في هذا الواقع الاجتماعي الجديد ازدواجية في مقاييس الحياة وقيمة الانسان حيث يشعر الشخص نفسه حين يصل الى المناطق الجنوبية، أن حياته مهددة بالخطر وان أي أذى قد يصيبه لن يكون محط اهتمام بقدر ما يعتقد".
بعد سنة تقريبا على وقف النار، وفيما عادت الحياة في معظم المناطق اللبنانية الى الايقاع الطبيعي، لا تزال االبلدات الجنوبية الحدودية وسكانها ينتظرون مصيرهم. يعبّر أحد العائدين الى بلدته المهدمة جزئيًّا عن عدم شعوره بالأمان وعدم قدرته على العودة الى مسار حياته السابقة. تشعره المسيّرات الكثيفة بخطرٍ دائمٍ وبانعدام الخصوصية حيث تؤثر على نشاط عائلته اليومية التي باتت تقتصر على التحركات الضرورية. فيما يسعى بعض ارباب العائلات الى اصطحاب عائلاتهم الى خارج نطاق المناطق المهددة للشعور بحرية التّنقل ومنح اطفالهم فسحة من الأمان بعيداً عن أجواء القلق المستمر.
على الرغم من المحاولات الخجولة لإعادة الحياة إلى المناطق المتضررة من الحرب من خلال مبادرات فردية، مثل إحياء الأسواق القديمة في بعض المناطق، لا يزال زنار النار اليومي يثير المخاوف من ان لا حياة طبيعية في المدى المنظور. فالمسيّرات لا تزال تجوب الاجواء في شكل دائم، والاعلانات عبرها للتنبيهات تتكرر كل يوم، كما استهداف الدراجات النارية ومسلسل الاغتيالات، او قصف البنى التحتية تماما كما كان الامر خلال الحرب. مع الفرق انه لم يعد بالوتيرة ذاتها، وان احيانًا اكثر عنفًا، ولم يعد خبرًا اول في نشرات الاخبار.
ومع ذلك يحاول ابناء هذه المناطق العمل لاعادة الاعمار، الا ان هذه المحاولات صارت منذ فترة قصيرة هدفًا للقصف الاسرائيلي الذي بات يضعها في سلم اولويات استهدافاته.
قبل اسبوع من ضربة المصيلح، كانت مجموعة من ابناء المنطقة تسأل عن الغاية من تجميع عشرات الجرافات والآليات في منطقة واحدة. فالهاجس الاسرائيلي لا يزال مسيطرًا، عند اي مشهد يتعلق باعادة الاعمار، وتقديم " الضحايا الاعمارية"على طبق من فضة. لذا لم تكن الضربة الاسرائيلية مفاجئة بالمعنى العملي. فاعادة الاعمار، أثارت شهيّة كثر من الذين يريدون تفعيل الاشغال اليومية ومنها ما يتعلق بشراء، او استيراد، جرافات وآليات او فتح ورش صغيرة، تكون بمثابة القاعدة الاولى التجارية لتغذية السوق وما تحتاجه عملية بناء المنازل والمحال التجارية واصلاح البنى التحتية. هذا كله، كان يسير بوتيرة تصاعدية، حتى لو لو تكن الدولة باجهزتها، مستعدة لبدء الاعمار. وهذا تماما ما استهدفه القصف الاسرائيلي. فالورش المتعلقة بعمليات البناء هي المقصودة، واحداث خسائر مادية مرتفعة، تضيف عجزًا ماليًّا على ذلك الذي سببته الحرب الاسرائيلية.