البابا: التزام السلام لا يعرف الخوف
الكلمة التي دونها البابا في قصر بعبدا (موقع الفاتيكان)
على وقع اجراس الكنائس في كل لبنان، بدأ البابا لاون الرابع عشر زيارته الى لبنان، التي تستمر ثلاثة ايام. وبعد استقبال رسمي في مطار بيروت، حضره رئيس الجمهورية جوزف عون ورئيسا مجلس النواب نبيه بري والحكومة نواف سلام وعدد من البطاركة، واستراحة في صالون الشرف، توجه البابا الى القصر الجمهوري. ولدى مروره على جميع الطرقات المؤدية الى قصر بعبدا، كانت حشود من المواطنين وكشافة الامام المهدي،على طريق الضاحية الجنوبية، تملأ جوانب الطرق، لتحيته. كما اصطفت جموع من المواطنين والتلامذة تحت المطر على الطريق المؤدية الى القصر الجمهوري الذي رفعت على طرقاته الاعلام الفاتيكانية واللبنانية. ولدى وصوله الى مفترق طريق بعبدا القصر الجمهوري، انتقل البابا الى سيارته الخاصة وحيّا المحتشدين. ولدى وصوله الى القصر وبعد عرض من الليزر، ورقص فرقة دبكة، التقى عون، ومن ثم عقد لقاء قصيرًا مع بري ومن ثم مع سلام، قبل ان ينتقل الى القاعة الكبرى حيث كانت وفود من السياسيين ورجال الدين من مختلف الطوائف تنتظره. وبعدما القى رئيس الجمهورية كلمة ترحيبية، القى البابا خطابه الاول في لبنان بعنوان " طوبى لفاعلي السلام الشعار الذي زيّن القاعة. وتوجه البابا الى اللبنانيين بالقول" تتجلّى صفةٌ تُميّز اللبنانيّين: أنتم شعب لا يستسلم، بل يقف أمام الصّعاب ويعرف دائمًا أن يُولَد من جديد بشجاعة. صمودكم هو علامة مميّزة لا يمكن الاستغناء عنها لفاعلي السّلام الحقيقيّين: في الواقع، عمل السّلام هو بداية متجدّدة ومُستمرّة. الالتزام من أجل السّلام، ومحبّة السّلام لا يعرفان الخوف أمام الهزائم الظّاهرة، ولا يسمحان للفشل بأن يثنيهما".
وقال" أنتم عانَيتم الكثير من تداعيات اقتصادٍ قاتل ومن عدم الاستقرار العالميّ الذي خلّف آثارًا مدمّرة في المشرق أيضًا، ومن التّشدّد وتصادم الهويّات ومن النّزاعات، لكنّكم أردتم وعرفتم دائمًا أن تبدأوا من جديد".
واضاف "يمكن أن يفتخر لبنان بمجتمع مدنيّ نابض بالحياة، غنيّ بالكفاءات، وبشباب قادرين على أن يعبّروا عن أحلام وآمال بلد بأكمله. أشجّعكم إذًا على ألّا تنفصلوا أبدًا عن شعبكم، وأن تضعوا أنفسكم في خدمة شعبكم، الغنيّ بتنوّعه، بالالتزام والتّفاني. أرجو لكم أن تتكلّموا لغة واحدة: لغة الرّجاء التي تجمع الجميع ليبدأوا دائمًا من جديد".
وعن الميزة الثانية لفاعلي السلام قال" هُم لا يعرفون فقط البدء من جديد، بل يفعلون ذلك بصورة خاصّة بطريق المصالحة الشّاق. في الواقع، هناك جِراح شخصيّة وجماعيّة تتطلّب سنوات طويلة، وأحيانًا أجيالًا كاملة، لكي تلتئم. إن لم تُعالَج، وإن لم نعمل على شفاء الذّاكرة، وعلى التّقارب بين من تعرّضوا للإساءة والظّلم، فمن الصّعب السّير نحو السّلام. سنُراوح حينئذ مكاننا، كلّ واحدٍ أسيرَ آلامه ورؤيته للأمور. لا يمكننا أن نبلغ الحقيقة إلّا باللقاء".
اما الميزة الثالثة لفاعلي السّلام فهي" إنّهم يجرؤون على البقاء، حتّى عندما يكلّفهم ذلك بعض التّضحية. هناك لحظات يكون فيها الهروب أسهل، أو ببساطة، يكون الذّهاب إلى مكان آخر أفضل. يتطلّب البقاء أو العودة إلى الوطن شجاعةً وبصيرةً، باعتبار أنّ الظّروف الصّعبة هي أيضًا جديرة بالمحبّة والعطاء. نعلَم أنّ عدم الاستقرار، والعنف، والفقر، ومخاطر كثيرة أخرى هنا، كما في أماكن أخرى من العالم، تُسَبِّب نزيفًا في الشّباب والعائلات الذين يبحثون عن مستقبل في مكان آخر، مع شعور عميق بالألم لمغادرة الوطن. بالتّأكيد، يجب أن نعترف بأنّ أمورًا إيجابيّة كثيرة تأتي إليكم من اللبنانيّين المنتشرين في العالم. مع ذلك، يجب ألّا ننسى أنّ البقاء في الوطن والمساهمة يومًا بعد يوم في تطوير حضارة المحبّة والسّلام، هو أمرٌ يستحقّ التّقدير. في الواقع، الكنيسة لا تهتمّ فقط بكرامة الذين ينتقلون إلى بلدان أخرى، بل تريد ألّا يُجبَر أحد على المغادرة وأن يتمكّن من العودة بأمان كلُّ الرّاغبين فيها". ( عن موقع الفاتيكان).