الأملاك النهرية: لماذا لا تطلب وزارة الطاقة إجراء مناقصات؟
حين أرادت الدولة اللبنانية تأمين الأموال لدفع الزيادات على رواتب وخدمات عمّال القطاع العام، لجأت إلى فرض ضريبة على المحروقات. لم تُفرض الضريبة في بلدٍ فيه نقل عام مُنظّم وموثوق يُغني عن استخدام السيارة. بل حيث يُعدّ اقتناء سيارة خاصة أمرًا أساسيًا تحديدًا للعمّال الساكنين خارج مدينة بيروت. في جلسة نظّمها المرصد اللبناني لحقوق المكلّفين (ALDIC) الأسبوع الماضي في بيروت، اعتبر ممثل صندوق النقد الدولي في لبنان، فريدريكو ليما الضريبة على المحروقات أمر جيّد. قارن بين أسعار المحروقات في مصر والأردن من جهة، ولبنان من جهة أخرى، وخلص إلى أنّها أدنى في لبنان، ولذلك كان واجبًا «تصحيحها». علمًا أنّه لا يجوز تقديم مقارنة بين بلدانٍ لا تتشابه بالظروف والخدمات والأوضاع الاقتصادية، وتقديمها كخلاصة علمية. وقال إنّ هذه الضريبة جيّدة لأنّها سهلة التحصيل. قبل أن يُضيف: «من لديه طرح أفضل فليُقدّمه على الطاولة». ليما نفسه في كلمته تحدّث عن وجود أبوابٍ ضريبية عدّة لم تطرقها الدولة اللبنانية، والتي تُساعد في تحصيل أموال إضافية، كالضريبة على الكحول والدخان، التي يُمكن أن ينتج عنها فاتورة صحية مُرتفعة.
ولكن قد يتفاجئ ليما حين يعرف أنّه يوجد العديد من الأبواب التي لم تُطرق بعد لتحصيل الأموال، أكان عبر الضرائب التي يتعمّد الأغنياء شيطنتها بالمُطلق للتهرّب منها وإبقائها في إطار الضرائب غير المباشرة التي يقع كلّ وزرها على الطبقات الفقيرة والمتوسطة، أو عبر الرسوم التي يُمكن أن تستفيد منها الدولة لتغطية نفقاتها.
سنضيء في «كافيين دوت برس» على القطاعات غير المستثمرة من جانب الدولة أو البنود التي يجب فرض ضرائب عليها، وسنُناقش النظام الضريبي بشكل كلّي، ولكن البداية من موضوع الأملاك العمومية النهرية.
نصّت المادة 75 من قانون الموازنة العمومية لعام 2001 على أنّه «تستوفي كلّ من وزارة الاتصالات ومصالح الكهرباء الكهرباء والمياه ومشاريع ولجان مياه الشفة والري الرسوم وبدلات المقطوعية المترتبة لها على الإدارات العامة والمؤسسات العامة والبلديات واتحادات البلديات وسائر الأشخاص المعنويين ذوي الصفة العمومية مباشرة ووفقًا للأصول المعتمدة لديها في تحصيل إيراداتها ويحظر على كلّ منها إجراء أي مقاصة مع هذه الإدارات أو المؤسسات أو البلديات تحت طائلة المسؤولية وتحت طائلة اعتبار قيمة الرسوم والبدلات المشمولة بالمقاصة هدرًا للمال العام وملاحقة مرتكب هذه المخالفة من قبل النيابة العامة المالية. تُلغى جميع الإعفاءات أو البدلات المخفضة لهذه الرسوم والبدلات وأية إعفاءات أو بدلات مخفضة أخرى مهما كان نوعها أو تسميتها أو طبيعتها وأيا كانت الجهة المستفيدة منها أو صفة المستفيد. تلغى جميع تكاليف بدلات المقطوعية والرسوم المتوجّبة للكهرباء والمياه على المُكلفين المقيمين في المناطق المحرّرة وقرى خطوط التماس وذلك حتى تاريخ 31/12/2001 ضمنا».
بعبارات مُبسّطة، للدولة حقوق من إشغال الأملاك النهرية يجب أن تستوفيها وممنوع أن تفرض إعفاءات أو بدلات مُخفضة لها.
هل هذا ما يجري عمليًا؟
«الأملاك النهرية في لبنان قادرة على تحصيل حوالي 50 مليون دولار في السنة، ولكن حاليًا نحن لا نجبي أكثر من 10 آلاف دولار كلّ العام»، يقول أحد المسؤولين في وزارة الطاقة والمياه. منذ سنوات وحتى تاريخه، «الوزارة، ومع جميع الوزراء والمستشارين الذين تعاقبوا عليها، هي عبارة عن توزيع قرارات لإشغال الأملاك النهرية بالمحسوبيات. فلا تجري مزايدات عمومية ولا تُفرض بدلات عادلة. إذا كنت على علاقة جيّدة بالوزير أو مدير المكتب أو المستشار، فتنال الرخصة». علمًا أنّ قانون إدارة وبيع أملاك الدولة الخصوصية غير المنقولة واضح لجهة أنّه يُمكن تأجير أملاك الدولة والبلديات الخصوصية من خلال مزايدة عمومية يتم تنظيمها وفقًا لقانون الشراء العام، واستنادًا إلى دفتر شروط خاصة يضعه وزير المالية والوزير المختص.
في 15 أيار الماضي، راسل وزير الطاقة والمياه، جو صدّي هيئة الشراء العام، طلبًا لإبداء الرأي في تطبيق إجراءات المزايدة العمومية في المرحلة التي تسبق منح الإشغال المؤقت على الأملاك العمومية النهرية، وذلك حين يكون إشغال الأملاك العمومية النهرية ليس لأحد أشخاص القانون العام، ولغاية لا تكون لمصلحة عمومية. كتاب الوزير يعترف أنّ تطبيق إجراءات المزايدة العمومية وفقًا لقانون الشراء العام «من شأنه توفير المنافسة وإتاحة فرص متكافئة دون تمييز وتوفير معاملة عادلة ومتساوية وشفافة ومسؤولة للجميع من جهة، ومن جهة أخرى زيادة إيرادات خزينة الدولة».
ماذا حلّ منذ إرسال الكتاب في أيار الماضي؟ «لا يتم إعطاء الموضوع الأهمية اللازمة»، تقول مصادر الوزارة. فيبدو أنّ الكلمة الأقوى لا تزال للمستثمرين الذين يشغلون الأملاك النهرية بالبلاش، في مقابل جنيهم أرباحًا بمئات آلاف الدولارات.