زغرتا تحافظ على جوهر الميلاد رغم المظاهر الاحتفالية

زغرتا  تحافظ على جوهر الميلاد رغم المظاهر الاحتفالية

قداس نص الليل، وأكلات أمي، والجَمعة الحلوة، والزينة وأجواء العيد. ولا شي بيضاهي هالشعور الحلو لما من دبي بطير مباشرةً على زغرتا بفرصة عيد الميلاد". 

بهذه الكلمات يعبّر أنطونيو الشيخوفا عن شوقه العميق لبلدته زغرتا، إذ ينتظر هذا العيد بشغف ليعود إليها، ويغتنم كل لحظة وكل فرصة قبل أن يشدّ الرحال مجددًا نحو عمله في الخارج، وللحديث تتمّة.

أضواء وزينة، وشوارع مليئة، أغان وتراتيل ميلادية والهدايا تنتظر ليلة العيد.

هكذا تبدو منطقة زغرتا، السبّاقة دائمًا في احياء النشاطات والاحتفالات، حيث تحمل كل بلدة من بلدات القضاء رونقها الميلادي الخاص، فتزرع الفرح في نفوس الأهالي رغم ما يعيشه البعض من حزن وألم نتيجة ظروف مختلفة.

شجرة العيد في زغرتا .jpg 99.77 KB
والمفارقة الموجعة أنّ عيد الميلاد الذي يجسّد ولادة المخلّص بات اليوم وكأنّه حكرًا على الميسورين ماديًّا، في حين ان التفكير الصحيح هو أنّ العيد الحقيقي لا يُقاس لا بالترف ولا بالمظاهر والاحتفالات، فالفقير رغم تواضعه المادي قادر أن يعطي العيد معناه الأصدق من دون اللّهو بالامور المادية.

جوزيفين بو ضاهر فنيانوس
وتشير جوزيفين بو ضاهر فنيانوس الى أنّ "الفقير ينتظر من يمدّ له يد العون ليشعر بالعيد، فيما ينشغل المرتاح ماديّا بالهدايا والتفاصيل الصغيرة". إلا أنّ ما يميّز زغرتا والقضاء بحسب قولها هو "روح التكافل الاجتماعي، من خلال المبادرات الفردية والجمعيات التي تسعى إلى مساعدة المحتاجين وتقديم "العيديّة" لهم. وهنا يتجسّد المعنى الحقيقي لعيد الميلاد، بالفرح، وسلام النفوس، والعطاء الذي يسمو فوق كل اعتبار".

أبناء منطقة زغرتا، المعروفون باهتمامهم المبكر بتفاصيل الأعياد والنشاطات الروحية، يعتبرون عيد الميلاد فرحة لا توصف. ويتجلّى ذلك بوضوح في البيوت، والكنائس، والمحلات، والساحات، وحتى في الشوارع، حيث لا يمكن للمرء إلّا أن يشعر بالفرح.

تريز إسحاق حبيتر
فالميلاد بالنسبة اليهم، هو عيد الفرح والحياة الجديدة. وهذا ما تؤكّده تريز إسحاق حبيتر، التي تشير إلى أنّ "فرحة الميلاد تتخطّى الوصف، لأنها تنبع من القلب قبل أي مظهر خارجي". وتقول "أفضّل أن أقضي ليلة العيد إلى جانب عائلتي وأولادي، حيث أشعر بالأمان والدفء، وأستعيد معهم ذكريات العيد منذ صغرهم". وترى أنّ طبيعة الحياة قد تغيّرت، وأنّ هناك فئة تركز على المظاهر، إلّا أنّ ذلك لا يُلغي محبّة الناس لهذا العيد.وتقول "أحبّ أن أعيش أجواء الميلاد المميّزة في منطقتنا، وأزور كلّ الأماكن والأسواق لأطّلع على كل جديد يخصّ العيد".

اريانا معوض
تبقى فرحة الاحتفال بميلاد يسوع المسيح هي الفرحة الأكبر، فرحة لا يجب أن يتشتّت عنها أحد، لا سيّما في ظل ما يشهده المجتمع من مظاهر غريبة طغت فيها الموضة والمظاهر على الجوهر، حتى أصبحت البساطة نادرة.

تقول الطفلة أريانا معوّض ببراءة "بدّي نعيّد عند بيت جدي، نكون كلّنا مجتمعين ويجي بابا نويل لعنّا". وتضيف بابتسامة صادقة "بحب يسوع أول شي، وبعيد الميلاد بحب الزينة والهدايا والشجرة والمغارة".وتشير أريانا الى أنّها تفضّل قضاء عيد الميلاد في زغرتا، بين أهلها وليس في أي مكان آخر.

وتبقى فرحة العيد ناقصة في ظلّ غياب أحد أفراد العائلة المقيمين في بلاد الاغتراب، حين تحول الظروف دون مجيئهم إلى لبنان. فكثير من المغتربين يتمنّون لو كانوا قادرين على تمضية هذه العطلة بين أهلهم وعائلاتهم، لتترك هذه الغربة غصّة في قلوبهم، كما في قلوب ذويهم.

انطونيو الشيخوفا
وكم هو جميل عندما يحدث العكس، ويعود المغتربون الى قراهم حاملين معهم كلّ الخير ومتلهفّين للقاء الأحبة، فتكتمل الفرحة، كما هو الحال مع المغترب الدكتور انطونيو الشيخوفا الذي أتى مليئا بالشوق والحنين لبلدته زغرتا التي لا تفارق مخيلته اذ يقول "عيد الميلاد بالنسبة لي هو العائلة أولًا: أولادي، العائلة الكبيرة، وأصدقاء الطفولة". ويشير الى أنّ من أولوياته أن يكون في زغرتا خلال هذه الفترة من السنة، إذ يرى أنّ منطقة زغرتا في زمن الميلاد لا تشبه أي مكان آخر في العالم، ويقول "ولا شيء بيضاهي فرحتي بقداس نص الليل، وأكلات أمي، والجَمعة الحلوة".

ويضيف أنّ "أجواء العيد في زغرتا مميّزة، بما تحمله من احتفالات ونشاطات مخصّصة لكلّ الأعمار، تعكس روح الفرح والتلاقي". ويلفت الى أنّ "منطقة زغرتا ورغم كل الظروف جاهزة دائمًا لاستقبال أبنائها المغتربين احتفالا بمجيء السيد المسيح بفرح كبير، وهذا ليس غريبًا عنها، فهي أرض أنجبت كبارًا وعظماء وقدّيسين تركوا أثرًا عميقًا في تاريخ الموارنة ولبنان، ولا يمكن أن يتزعزع فيها الشعور بالمعنى الحقيقي لميلاد المخلّص يسوع المسيح".

ينتظر قضاء زغرتا عيد الميلاد بفارغ الصبر، والدليل على ذلك حركة الناس، وزحمة الشوارع، وضجيج الفرح، وضحكات الأطفال التي يأمل الزغرتاويون أن تُرسَم في قلوب الجميع مع مجيء السيد المسيح. فبرغم الصعوبات، الأحزان والأوجاع، تبقى فرحة عيد الميلاد فرحةً راسخةً ومحفورةً في النفوس، لا تنطفئ ولا تزول.

اقرأ المزيد من كتابات اوديت همدر