شمس الغروب المبدعة

ليس هناك ما يقف في طريق شمس الغروب وومضات إبداعها، وفي وجه مخيّلتها، وتذوّقها لكلّ ما هو غريب، وخرافيّ .
حتّى الضباب الذي تظنّه معترضًا سبيلها، وموكلًا لطبقاته، وتجاعيده، نصب حواجز وكمائن سماويّة لها، يصبح عنصرًا من عناصر تشكيل مناظرها الحالمة .
ويساعدها الهواء الذي يهب رخيًّا ناعمًا، وهو يشاركها الاحتفال بنهاية النهارات في طي الضباب، كورق إذ يطوى في الاتّساع، والفضاء، في الوصول إلى نتائج مذهلة. تاركًا لنفسه حريّة التصرّف في تمزيقه، وقصّه، ولصقه. قبل أن تعيد الشمس جمع ما فككه الهواء، أو حوّل اشكاله، وأحجامه، في لوحات ضخمة لا تتعب من رسمها. مطلقة العنان لمخيّلتها، ولشغفها بالألوان .
فترى الألوان في كلّ مكان. من قلب البحر امتدادًا حتّى رؤوس الجبال. مرورًا بما يظهر من أعلى الوديان، وبكلّ بيت، ودرب، وشجرة. بسحر هذه الألوان، وعطرها، وأسرارها .
تغمس شمس المغيب يدها في هذه الألوان السريعة الزوال، وتمسح بها كلّ ما في الطبيعة، والأماكن المأهولة، ووجوه الذين تقرأ الدهشة في عيونهم. وقد تندهش هي بما تطبعه بطابعها، قبل أن تخضعنا لسلطان الألوان الزاهية الأخّاذ، ونتذوّق كلّ ما هو غير مألوف .
وقد يخطر لشمس هاتيك اللحظات الآسرة أن تخيط وتنسج بسطًا رائعة، متفاوتة السماكة، بقطب سريعة، وعابرة. كما قد يحلو لها مشاركة الغيم في صنع ستائر، ومزهريّات، وتويجات أزهار، وطيور. فعندما تكون المخيّلة خصبة، وغنية، وغزيرة، ومتألّقة، لا يعود على شمس الأصيل أن تضفر جدائل الدنيا بأسرها بشرائط ملوّنة، وأن تزيّن رقبتها بالذهب، والحليّ، والأحجار الكريمة. على مر الأيّام، والفصول .
لذلك كلّه، فإنّ شيئًا ما يحدث وأنت تصوّر الغروب، مع جموع مصوّريه. لا بل تحتار من أين تلتقطه. إحساسات. تخيّلات. وأحلام بعيون مفتوحة سابقة لأحلام الليل. فيما الزمن ينساب متتابعًا. ليبلغ شعورك، بانسيابه، الذروة ، وقت جنوحها إلى الاندثار، والتلاشي، في قاع البحر. فهل كان القدّيس بولس مغمورًا بشعاعاتها الناعمة، وممتلئًا بأكثر لحظات النهار تمجيدًا لله، حين كتب وهو تحت تأثير الهنيهات التي لن تلبث أن تنأى، والتي هي جوهر الزمن: "إني أموت كل يوم ".
شمس ناعسة الغروب، شغوفة بالألوان، موروثة عن دهور من الشموس لا تحصى، قبل أن تخلد إلى النوم .
والمساء الذي يهبط هو وليد هذا الغروب ، إنما مصورا بالأسود والأبيض . الأسود الذي يحوكه الليل . والأبيض الذي إن لم يصنعه القمر ، بتبدلات حجمه، صنعته النجوم .
فيما الأرض تدور ، وتدور .