"الحمدلله أن الألعاب مجانية، كي يستطيع اولادي اللعب مثل غيرهم، لأن ليس لدي القدرة ان ادفع." بهذه الكلمات الصادقة، عبّرت إحدى الأمهات عمّا شعر به كثيرون في قرية الميلاد في البترون. لم تكن مجرد جملة عابرة، بل لحظة إنسانية تختصر معنى العيد الحقيقي. في البترون هذا العام، اجتمع أشخاص من مختلف المستويات الماديّة ليحتفلوا بعيد الميلاد بالطريقة نفسها، من دون تمييز، خاصة أنّ ألعاب الأطفال مجانية، ما أتاح للعائلات مشاركة أولادها فرحة العيد من دون أي عبء مادي.
wrr.jpg315.2 KBما إن يدخل الزائر إلى البترون، حتى تستقبله الزينة الميلادية المضيئة التي تملأ الشوارع وتخلق أجواء دافئة رغم برودة الطقس.
222.jpg522.65 KBومع التقدّم في السير، يصل إلى الكنيسة حيث تُسمع ليلًا ترانيم جوقة تغنّي بصوت جميل يلامس القلوب ويعكس روح الميلاد الحقيقية.
33.jpg270.4 KBوعلى الجدار الخارجي لكنيسة مار اسطفان، يُقدَّم عرض ضوئي يروي قصة الميلاد باستخدام الأضواء. مدّة العرض نحو خمس دقائق، ويتكرّر يوميًا عند الساعة السادسة، السابعة، الثامنة، التاسعة، والعاشرة مساءً، فيتجمّع الناس لمشاهدته بإعجاب في كل مرة.
444.jpg304.61 KBتستمر الجولة بين أسواق الميلاد حيث تباع المأكولات والمشروبات في السوق الميلادي، والجدير بالذكر ان المحال حافظت على الأسعار المعتادة من دون أي استغلال للمناسبة. هذا يسمح للأهل أن يرسموا الفرحة على وجوه اولادهم بمبلغ بسيط، بعشرة دولارات فقط يستطيع الطفل الاستمتاع بكعكة او سندويش ساخن مع عصير وغزل البنات و"بوشار". فلا يحرج الأهل وبالوقت نفسه لا يشعر الولد انه مختلف عن باقي الأولاد.
55.jpg187.59 KBحيث الكستناء الساخنة، النبيذ، والمأكولات الميلادية المتنوعة. المكان مثالي ، Capitale de Noël بعدها يدخل الزائر الى لالتقاط الصور العائلية، كما يمكن للأطفال التقاط صور تذكارية مع بابا نويل في أجواء مليئة بالفرح.
وفي قرية الميلاد في البترونيات، تتوسّع الاحتفالات أكثر مع شجرة الميلاد، معرض الحِرَف، أكشاك الطعام، معامل النبيذ، وورش عمل ميلادية للأطفال. اللافت هذا العام أنّ منطقة الترفيه الخاصة بالأطفال كانت مجانية بالكامل، بما في ذلك الألعاب والأنشطة، ما منح الأطفال تجربة مميّزة. المشهد الأجمل كان العائلات نفسها، حيث لعب الأهل مع أولادهم، وساعدت العائلات بعضها البعض على التقاط الصور، في مشهد يعكس روح المشاركة.
99.jpg197.59 KBمن ناحية التنظيم، لم تكن الزحمة في مواقف السيارات عائقًا كالسنوات الماضية. أمكن ركن السيارات على بُعد عشر دقائق سيرًا على الأقدام، حيث مشَت العائلات بهدوء في الطقس البارد لكن المقبول، من دون أمطار، ومنهم من ركب التوكتوك او عربة الغولف. كما خصّصت بلدية البترون مواقف قريبة من القرية بسعر دولار واحد للساعة أو ثلاثة دولارات لأكثر من ساعة، ما سهّل الزيارة على الجميع.
ما يميّز قرية الميلاد في البترون هو تنوّع زوّارها. أشخاص من مختلف الأديان، ومن جنسيات متعددة، اجتمعوا للاحتفال. حتى أنّ عائلة كورية شوهدت بين الحضور، في دليل على أنّ فرح الميلاد في البترون تخطّى الحدود.
11.jpg281.18 KBعلى بُعد 10 إلى 15 دقيقة فقط بالسيارة من البترون، تقدّم بلدة شكّا تجربة ميلادية مختلفة وأكثر هدوءًا. فقد افتُتحت قرية الميلاد فيها في 13 كانون الأول وسط أجواء احتفالية تخلّلها عرض للألعاب النارية شكّل لحظة فرح جماعية لأهالي البلدة والمناطق المجاورة.
12.jpg196.28 KBتضم القرية سوقًا ميلاديًا وألعابًا للأطفال، منها العجلة الدّوارة والارجوحات. ورغم أنّ الألعاب ليست مجانية، إلا أنّ الأجواء بقيت عائلية ومنظّمة ومناسبة للعائلات التي تفضّل الاحتفال بعيدًا عن الازدحام.
اللافت في سوق الميلاد في شكّا أنّ معظم الأكشاك تعود إلى أبناء البلدة نفسها، ما منح القرية طابعًا محلّيًا صادقًا. فخلف كل كشك عائلة تشارك في فرح العيد، ويتعاون الأولاد مع والديهم على بيع المأكولات التي أعدّوها أو المنتجات التي يقدّمونها للناس. وهكذا تتحوّل الزيارة إلى احتفال ودعم مباشر للمبادرات المحليّة في آنٍ واحد، ليبرز الميلاد هنا فعلَ مشاركةٍ وانتماء.
14.jpg242.46 KBبين حيوية البترون واتّساعها، وهدوء شكّا وبساطتها، يقدّم الساحل الشمالي تجربتين ميلاديتين مختلفتين لكن متكاملتين. قرب المسافة بين المدينتين يسمح للزوّار باكتشاف التجربتين في يوم واحد، كلٌّ بطابعها الخاص. في زمن صعب، أعادت قرى الميلاد في البترون وشكّا التذكير بأن الفرح يمكن أن يكون بسيطًا، صادقًا، ومتاحًا للجميع، وأن الميلاد، في جوهره، مساحة مشتركة للناس جميعًا.
ولا تقتصر هذه الأجواء الميلادية على البترون وشكّا وحدهما، إذ تشهد مناطق أخرى عديدة من شمال لبنان، مثل زغرتا وجبيل، إضافة إلى مدن وبلدات في مختلف أنحاء لبنان، مبادرات وقرى ميلادية مشابهة. هذا الانتشار يعكس رغبة جماعية في الحفاظ على روح العيد رغم الظروف، فيتجلّى الميلاد بتنوّعه وحضوره في كل منطقة، كلٌّ بأسلوبها الخاص.