حرج حريصا ييبس بصمت... من المسؤول؟

حرج حريصا ييبس بصمت... من المسؤول؟

في كلّ مرّة كنا نجلس في حديقة الجامعة، أوّل مشهد كان يلفت نظرنا حرج حريصا. ففي ذاكرتنا يمتدّ بلونه الأخضر فوق تلال جونية، يرسم لوحة طبيعية تُشعرنا بالسكينة عند تأمّلها. 

لكن مع مرور الوقت، بدأ هذا المشهد يتبدّل. خفّ بريق الخضار وظهرت بقع من اليباس تنتشر بين الأشجار. وكأنّ الحرج يفقد حياته شيئًا  فشيئًا. 

هذا التّغيّر أثار فضولنا وقلقنا في آنٍ واحد، وجعلنا نتساءل: ما الذي يحدث لحرج حريصا؟ ولماذا تحوّل هذا المكان الذي كان رمزًا للجمال إلى مشهد مختلف تمامًا؟ 

بين من يلقي اللوم على الطبيعة ومن يتحدّث عن الإهمال البشريّ، قرّرنا أن نبحث بأنفسنا عن الأسباب الحقيقيّة وراء ما يحدث، لنفهم ما الذّي يهدّد هذا المعلم البيئيّ العريق وكيف يمكن إنقاذه قبل فوات الأوان. 

تقول غنوه الياس ، الدليل الجبليّ والناشطة البيئية، لموقع "كافيين دوت برس"، إنّ السّنوات 2014 و 2025 كانت من أكثر السّنوات جفافًا، ويبدو أنّ 2026 لن تكون أفضل حالًا.  هذا يؤثّر على الشجر، مثل السنديان. هذا النّوع لا يصفرّ أبدًا، فإذا حدث ذلك يعني أنّ هنالك مشكلة، إمّا نقص في المياه أو بسبب مرض أو حشرة." 

وتشير الياس إلى أنّ وزارة الزراعة أصدرت بيانًا اكّدت فيه أنّ ما يحدث في الطبيعة يعود إلى الجفاف وموجات الحرّ في الصيف، ولكن في حرج حريصا بالتحديد "كميّة الشجر اليابسة كبيرة جدًّا"، ما يدفع للتساؤل إن كان هناك عامل آخر غير الجفاف. وتضيف" ليت الجامعات او المهندسين او الوزارة يقومون بدراسة او كشف، لا سيّما المتخصّصين في علم الغابات، لنتحقّق من احتمال وجود مرض يهدّد الأشجار ونتمكّن من حماية سائر الغابات من أيّ خطر محتمل."

وتشرح الياس عمليًّا ما يجري: "الشجر يقوم بـ Evapotranspiration ما يعني استخراج الرطوبة من الأرض وتبخيرها. وعندما يقلّ الماء، تغيّر الأشجار لونها وتيبس لتحمي نفسها، لأنّ عمليّة البناء الضوئي (Photosynthesis) تحتاج إلى الماء الذي لا تجده." 

أمّا بالنّسبة إلى الحلّ، "مؤقّتًا الأنسب هو انتظار الشتاء والثلوج، لأنّها قد تحلّ نصف المشكلة، أمّا إذا اكتشفنا امراضًا فلا يمكن معالجتها دون دراسات دقيقة."

أمّا المحامية هنادي مقوّم، رئيسة بلديّة درعا حريصا، فتؤكّد في حديثٍ لنا، أنّ الجفاف هو السبب الرئيسيّ لليباس، مشيرة إلى أنّ هناك أحاديث عن احتمال وجود مرض يصيب الصنوبر، لكنّ البلديّة "لم تقم بأيّ دراسة بسبب ضعف الإمكانيّات". وتضيف "أرسلنا كتابًا رسميًّا إلى وزارة الزراعة للكشف على الحرج، وإن شاء الله أن يتم التجاوب قريبًا. الوزير لم يتواصل معنا مباشرة بعد، ولكنّنا عقدنا اجتماعًا مع رؤساء البلديّات ومسؤول الأحراج في المنطقة".

وتضيف "خلال الاجتماع أشار المسؤول إلى وجود مرض، وطلب قصّ  الأشجار لأن المرض ينتقل. نقلت هذا الكلام رسميًا إلى الوزارة ليؤكّدوا الأمر ويتّخذوا الإجراءات المناسبة".

 وردًا على الانتقادات الموجّهة للبلدية، تقول مقوّم:

"إذا أردنا الرّد على كلّ من يلقي اللّوم على البلدية، لتوقّفنا عن العمل. نحن نعمل بصمت، ولسنا مهتمّين بعدد الإعجابات على منشوراتنا في مواقع التّواصل. البلديّات في لبنان شبه مشلولة منذ خمس سنوات، ولا يوجد تمويل. تسلّمنا ضيعة بلا إنارة ولا بنى تحتية، وبدأنا بالعمل".

 وعن فكرة قصّ الأشجار المتضرّرة، توضّح مقوّم بحزم: "قلبي على الأحراج، يقولون لي أن أطلب ترخيصًا من الوزارة مثل بلديّات أخرى بالقصّ لكنّي رفضت لأنّ الحرج ثروة بيئيّة. لن أبدأ بالقصّ قبل التأكّد من وجود مرض مثبت علميًا من وزارة الزراعة. إذا ثبت المرض، القصّ سيكون على مسؤوليتهم وبأيدٍ كفوءة، لأنّنا نعلم أنّ تجارة الحطب منتشرة والناس يهمها الدولار أكثر من البيئة".

يبقى حرج حريصا اليوم شاهدًا صامتًا على مأساة بيئيّة تتجاوز حدود الجفاف. وبين تقصير الجهات المعنيّة وضيق إمكانات البلديّات، يظلّ هذا الحرج يواجه مصيره وحيدًا، فيما تمتدّ علامات اليباس كجرحٍ مفتوح في ذاكرة الطبيعة. 

ومع أنّ الأسباب قد تتوزّع بين تغيّر المناخ وغياب المتابعة العلميّة، فإنّ النتيجة واحدة: خسارة جزء من رئة لبنان الخضراء.

إنّ حماية حرج حريصا ليست مجرّد واجبٍ محليّ، بل مسؤوليّة وطنيّة وأخلاقيّة، لأنّ الحفاظ على ما تبقّى من خضار الأرض هو حفاظٌ على الحياة ذاتها، قبل أن يُصبح اللون الأخضر مجرّد ذكرى في صور قديمة.

حرج حريصا

اقرأ المزيد من كتابات جاكي مرعب