أزمة النفايات في طرابلس الى الواجهة من جديد

أزمة النفايات في طرابلس   الى الواجهة من جديد

ازمة نفايات طرابلس

تعدّ أزمة النفايات من الأزمات المزمنة في النطاق الإداري لاتحاد بلديات الفيحاء، الذي يضمّ بلديات طرابلس والميناء والقلمون والبداوي.

 ورغم تشابكها مع أزمة النفايات على الصعيد الوطني، والتي لم يصر إلى إيجاد حل مستدام لها بسبب تعقيدات السياسة ومصالح الأفرقاء المتضاربة، والشعور العام بعدم الثقة بالحلول الحكومية، إلا أن ثمة بعض السمات الإشكالية التي تميز المسألة في "الفيحاء".

أزمات وإضرابات ونفايات تفيض بها المستوعبات وتغزو الشوارع، مرفقة بالكثير من الاعتراضات على أداء شركة "لافاجيت"، وسط اتهامات متنامية توجه لها بعدم الالتزام بالموجبات التعاقدية، علماً أنها تقوم بجمع وكنس النفايات في النطاق الإداري لاتحاد بلديات الفيحاء منذ عام 2000، حيث فشلت محاولات إجراء مناقصة يصار من خلالها إلى تلزيم شركة جديدة وفق دفتر شروط مغاير وأكثر حداثة ينسجم مع النمو السكاني وزيادة المتطلبات، واضطرت المجالس المنتخبة في بلديات النطاق إلى السير في التمديد تلو التمديد.

إضراب تحذيري يجدد الأزمة

منذ أيام قليلة، نفذت "لافاجيت" إضراباً لمدة 4 ساعات، اندلعت معه موجة من الاعتراض الشعبي أعادت تسليط الأضواء على أزمة النفايات في الفيحاء، ليتبين أن الشركة تمارس عملها بلا سند قانوني. فقبل سنة تقريباً اندلعت أزمة مماثلة على خلفية تجديد العقد،  اذ أرسل اتحاد البلديات كتابًا، إلى وزارة الداخلية والبلديات للحصول على موافقتها كونها وزارة الوصاية. فاتخذ الوزير السابق بسام مولوي قراراً مزدوجاً، وافق بموجبه على تمديد عقد "لافاجيت" لستة أشهر عوض السنة، تنتهي مع نهاية حزيران 2025، على أن يكون هذا التمديد للمرة الأخيرة، بغية الدفع في اتجاه إجراء مناقصة جديدة.

عام 2000 أجريت آخر مناقصة وفازت فيها "لافاجيت"، وكان من المفترض أن تجرى مناقصة جديدة بعد 5 سنوات في شكل دوري، إلا أن ذلك لم يحصل بسبب تعقيدات كثيرة، تدخل فيها السياسة والمصالح المتشابكة، بالإضافة إلى عوامل ترتبط بما شهدته طرابلس من أحداث أمنية، وبالأزمات السياسية وحالات الفراغ على المستويات الإدارية.

في أيار الماضي، أجريت انتخابات بلدية أفرزت مجالس بلدية جديدة، وانتخب المهندس وائل ازمرلي رئيسًا لاتحاد بلديات الفيحاء، وقدّم مجموعة تعهدات، في طليعتها إيجاد حلّ مستدام لأزمة النفايات التي أثقلت كاهل الطرابلسيين وأهالي الفيحاء، ولا سيما أنه آت إلى سدة المسؤولية من رحم المجتمع المدني والعمل النقابي. وبالفعل بدأ أهالي النطاق الإداري للفيحاء يتلمسون حصول بعض التغييرات، من ناحية إيلاء الأهمية لمسألة فرز النفايات ونظافة المستوعبات وضبط الفوضى الناجمة عن البحث في النفايات عن البلاستيك والحديد وغيرها من قبل عشرات الأشخاص الباحثين عن مدخول بسيط. ومع أنها غير كافية، إلا أنها تعدّ مؤشراً لوجود اهتمام جدي يمكن أن يدفع في اتجاه إيجاد مسار مستدام لمعالجة أزمة النفايات.

شركة جديدة بعد أسبوعين

يقول ازمرلي في حديث لموقع "كافيين دوت برس  "استلمنا مهامنا رسميًا أواخر شهر حزيران الماضي، وكانت تفصلنا عدة أيام عن انتهاء العقد المجدد مع "لافاجيت". أرسلنا كتاباً إلى وزارة الداخلية والبلديات لإبلاغها رغبتنا بتجديد العقد مرة أخيرة، بالتوازي مع الإعداد لمناقصة جديدة، فمن المعيب الاستمرار بدفتر شروط قديم تجاوز عمره عقدين ونصف".

بعد فترة من إرسال الكتاب، تواصل اتحاد بلديات الفيحاء مع وزير الداخلية، فأبلغ بعدم الموافقة على التجديد تأسيسًا على قرار سلفه الوزير بسام مولوي. عندها أوضح الاتحاد أن هذا التجديد هو الأخير، لأنه ماضٍ في الإعداد لمناقصة تحتاج بضعة أشهر، إنما في الوقت الحالي لا يوجد بديل عن "لافاجيت"، مما دفع الوزير إلى الموافقة على التمديد.

يضيف ازمرلي"مرّت 4 أشهر على موافقة الوزير، ودخلنا في الشهر الخامس، لكن الشركة لا تزال تعمل بلا عقد رسمي بسبب تعقيدات الروتين الإداري المعروفة. من حق "لافاجيت" المطالبة بالحصول على أتعاب التزاماتها، لكن ليس من حقّها أذيّة الناس. ومع ذلك، لم يكن أمامها حلّ سوى الإضراب بهدف إثارة ضجة إعلامية لتحريك المسألة". ويلفت ازمرلي إلى أن موعد فضّ العروض في المناقصة بعد أسبوعين، حيث تقدمت 4 شركات للحصول على دفتر الشروط، وجميعها تمتع بالخبرة، ومن بينها "لافاجيت" نفسها.

لكن الأهم هي التعديلات التي أدخلها اتحاد بلديات الفيحاء على دفتر الشروط. وأبرزها وضع برنامج واضح لجمع النفايات، ومعايير رقابيّة مشددة على الأداء، وإلزام الشركة الفائزة بتزويد جميع السيارات بتقنية "Tracking" لمعرفة مواقيت ذهابها وإيابها وخط سيرها، وزيادة عدد المستوعبات. بالإضافة إلى منعها من التوقف عن جمع النفايات واستخدامه كأدة ضغط للحصول على حقوقها، ودفعها إلى البحث عن حلول أخرى لأي إشكالات تعاقدية قد تطرأ ، المهم أن لا تكون على حساب الناس وصحتهم.

هذا المسار يؤكد بأن اتحاد بلديات الفيحاء يذهب في اتجاه حلول علمية ومستدامة لأزمة النفايات المزمنة في نطاقه الإداري. لكن يبقى التخوف من دهاليز السياسة ومصالحها ومما قد تخرجه من جعبتها من مفاجأت.

لا مستحقات بلا عقد

في المقابل، فإن شركة "لافاجيت" تعمل بلا سند قانوني منذ انتهاء عقدها في شكل رسمي آخر حزيران الماضي. الأمر الذي يرتب أعباء قانونية ومادية، وفي ظل تراكم المستحقات، وعدم إجراء مناقصة جديدة، واظبت الشركة على مطالبة اتحاد البلديات بقوننة عملها.

يقول مدير شركة "لافاجيت" العميد المتقاعد سعيد الرز في حديث لموقع "كافيين دوت برس ""أرسلنا كتابين إلى الاتحاد نطالب بقوننة عملنا. آخر كتاب أرسلناه في الشهر الماضي، وكان الجواب هو تمنيات، رغم أن ذلك يحمّلنا مسؤوليات لكونه بلا سند قانوني. وبالتالي فإننا لا نستطيع تقديم كشوفات إلى الاتحاد لكونه غير قادر على توقيعها وتحويلها إلى التنفيذ".

يضيف الرز " اضطررنا إلى القيام بإضراب لـ4 ساعات فقط لإعلاء الصوت ولفت نظر المسؤولين أننا نعمل دون مسوغ قانوني. لكننا عاودنا العمل لسببين: الأول، أوصلنا الرسالة بأننا نريد حلاً قانونيًّا في انتظار انتهاء المناقصة. الثاني، لا يمكن ترك طرابلس تغرق بالنفايات وخصوصًا أن كمياتها كبيرة. لن نسمح بتشويه شوارع المدينة وتعريض أهلها لأضرار صحية وبيئية. بالإضافة إلى حرصنا على إتمام مسؤولياتنا التعاقدية، وعدم تشويه سمعة الشركة". ويؤكد الرز أن "لافاجيت" مستمرة في تسديد رواتب العمال والموظفين من ميزانيتها الخاصة كي لا تتوسع الأزمة وتتخذ أبعادًا مأساوية.

اقرأ المزيد من كتابات عبد الكريم فياض