النقل الجامعي بالباص واقع الخدمة و تجارب الطلاب

   النقل الجامعي بالباص  واقع الخدمة و تجارب الطلاب

في كلّ صباح، تبدأ جنيفر، الطالبة الجامعية الآتية من منطقة الكورة، رحلتها الطويلة نحو جامعة الروح القدس في الكسليك. افضل خيار لها كونها لا تجيد القيادة وبسبب ان والديها يعملان هو الباص. فهي تتنقّل صباحًا وبعد انتهاء دوامها عبر الباص الذي يمرّ في منطقتها فتنتظره أمام منزلها الساعة السادسة صباحا ليقلّها في طريقه.

وعلى الرغم من المسافة الكبيرة التي تقضيها يوميًا في المواصلات، تقول إنّ تجربتها مع هذا الباص جميلة، مؤكدة "السائقون محبوبون ومهذّبون، والنقل اليومي معهم جعل حياتي الدراسية أبسط بكثير." فبالنسبة إليها، ليس الانتقال مسألة تقنية أو خيارًا ثانويًا، بل عنصرًا أساسيًا يمكّنها من متابعة تعليمها.

فالسكن الجامعي قد يكون حلًا مريحًا، لكنه مكلف بأضعاف، كما يبعدها عن عائلتها. فتكلفة السكن الجامعي بين ٢٠٠ إلى ٤٠٠ دولار شهريًّا، بحسب عدد الطالبات في الغرفة الواحدة. أما التنقل يوميا باستخدام الباص من الكورة إلى الكسليك فيكلّف  ٥٥ دولارًا شهريا. وتشرح جينيفر قائلة "أفضل الباص لأنني لا أستطيع الاستقرار في المدينة. أستفيد من وقتي خلال الطريق للدراسة أو التسلية مع أصدقائي. ومن الصعب أن أفكّر كل يوم كيف سأذهب وأعود من الجامعة. أمّا مع الباصات، فهناك تواصل سهل، ولا أحمل همًّا لأنهم ينتظرونني إذا تأخرت".

وهكذا يبقى الاعتماد على باص منظّم ومتّجه يوميًا إلى الجامعة حلًا أكثر واقعيّة لها ولطلاب كثيرين في المناطق البعيدة. ولهذا تقول من دون تردّد "أنا شخصيًّا أفضّل أن أستقلّ الباص نفسه كل يوم، وهذه النقليات سهّلت علينا كثيرًا."

وإذا كانت تجربة جنيفر تعبّر عن واقع طلاب المناطق الشمالية، فإنّ ساهر، الطالب الآتي يوميًا من النبطية إلى الجامعة اللبنانية في صيدا، يجسّد تجربة مشابهة يعيشها طلاب الجنوب. فالمسافة الطويلة التي تتجاوز الساعة والنصف جعلت التنقّل بسيارته الخاصة أمرًا مرهقًا وغير عملي، خصوصًا في ظل كلفة البنزين المرتفعة والزحمة اليومية على الطرقات.

يقول ساهر إنه مع بداية السنة حاول الاعتماد على سيارته، لكنه سرعان ما أدرك أنّ القيادة اليومية تستنزف طاقته ووقته، وتضيف أعباءً ماليّة كبيرة. وهذا ما دفعه إلى اتخاذ قرار تغيير مساره واعتماد الباص كخيار أساسيّ. ويصف تجربته قائلاً "استخدام الباص أراحني كثيرًا. لا أضطر للقيادة كل يوم، بل استغلّ الطريق للدراسة أو لتحضير المحاضرات، وأحيانًا لأرتاح قليلًا قبل يوم طويل. وأصل إلى الجامعة أكثر تركيزًا وأقل توترًا".

ويتابع موضحًا الجانب المادي الذي شكّل فارقًا في حياته "من الناحية المالية، النزول بالباص أوفر بكثير من البنزين وصيانة السيارة. أشعر بأن العبء أخفّ، وليس عليّ التفكير كل يوم بمواقف السيارات أو أعطال الطريق".

بالنسبة الى ساهر، الباص لم يعد مجرد وسيلة نقل، بل عنصرًا يساعده على الاستمرار في دراسته بارتياح وثبات، تمامًا كما هو الحال مع كثير من الطلاب في المناطق البعيدة الذين يجدون في النقل العام او الخاص الحلّ الأكثر واقعية واستدامة.

وما بين تجربة جنيفر الآتية من الشمال، وساهر الآتي من الجنوب، تظهر بوضوح الحاجة إلى نقل موثوق. فالغالبية الساحقة من الطلاب في لبنان تعتمد على المواصلات اليومية كجزء أساسي من حياتها الدراسية، كون الجامعات الأساسية في لبنان تقع في المدن الكبرى. ومع ارتفاع تكاليف السيارات الخاصة، وأسعار الوقود، وصعوبة السكن الجامعي، يصبح النقل المنظّم عاملًا حاسمًا في قدرة الطلاب على متابعة تعليمهم.

وهنا يبرز دور الشركات الخاصة التي تؤمّن خطوطًا منتظمة، ومن أبرزها نقليات اسطفان التي يعتمد عليها عدد كبير من الطلاب من مختلف المناطق. يوضح احد اصحاب نقليات اسطفان، روجيه اسطفان، أن نجاح خط النقل ليس مجرّد عمل يومي عادي، بل هو التزام طويل الأمد ومسؤولية تجاه الطلاب والركاب. يقول بثقة "ما يجعلنا نبقى محافظين هو الاستمرارية والمصداقية ودقّة الوقت، وأن تكون الحافلات دائمًا بحالة جيّدة وصالحة."

وعند سؤاله عن الأسعار يقول روجيه "نعمل بأسعار مدروسة ونحاول أن نستمر حتى في أصعب الظروف."

ويضيف مؤكّدًا أنّ الفريق هو أساس نجاح أي خدمة نقل "نعمل مع فريق محترف، وكل السائقين معروفون ويعملون معنا منذ سنوات طويلة. لا نقبل أن يقود أي شخص حافلاتنا من دون الكفاءة اللازمة ومعه الأوراق القانونية المطلوبة. كل شيء يجب أن يكون قانونيًا ومنظّمًا".

ويشير إلى أنّ الحفاظ على الأسعار يشكّل تحدّيًا مستمرًا، لكن الشركة تعتبره جزءًا من مسؤوليتها الاجتماعية تجاه الطلاب والمواطنين "نحاول دائمًا أن نجعل الأسعار مقبولة ليتمكّن الجميع من استخدام الخدمة، بالأخص طلاب الجامعات."

ويضيف "أكثر ما يشعرني بالفخر هو رؤية الركاب ينتظرون الباص كل صباح، وبالاخص من يأتي من مناطق بعيدة مثل صور. فأصبحنا داخل الباص كالعائلة، وهذا يخلق انتماء جميلًا عند الركاب".

ويشرح أنّ ما يميّزهم ليس فقط الخبرة الطويلة على الخط، بل أيضًا الاهتمام الدقيق بتفاصيل الأمان "لدينا مصداقية كبيرة. نخاف على ركّابنا وندقّق في الوقت. وإذا تعطّلت الحافلة، نرسل فورًا أخرى كي لا نعرّض الركّاب لأي خطر. وأولويتنا دائمًا طلاب الجامعات لأنهم يشكلون نسبة كبيرة من زبائننا الدائمين".

هذا المستوى من التنظيم، الذي يقدّمه مشغّلون مثل نقليات اسطفان، ينعكس مباشرة على راحة الطلاب وقدرتهم على الاستمرار في دراستهم. فالطالب لا يحتاج فقط إلى وسيلة نقل، بل إلى ضمانة يومية بأنه سيصل في الوقت، وأنّ هناك من سيهتمّ بعودته بأمان.

وفي موازاة دور الشركات الخاصة، بدأت الدولة خلال الفترة الماضية بتشغيل باصات حديثة تعتمد على تطبيقات تُتيح للراكب معرفة وقت الوصول وخط السير، في خطوة تُعدّ تطوّرًا مهمًا في قطاع النقل العام. ورغم أنّ هذه الباصات لا تزال محصورة بالمدن والمناطق الساحلية، يأمل الطلاب والمواطنون أن تتمدّد خطوطها قريبًا لتشمل القرى والبلدات والمرتفعات الجبلية، حيث الحاجة إلى نقل منظّم أكبر بكثير. فمع كل تطوّر صغير في هذا القطاع، يكبر الأمل بأن يصبح النقل العام شبكة حقيقية تربط كل لبنان، وتمنح طلابه قدرة عادلة على الوصول إلى جامعاتهم بأمان وانتظام.

اقرأ المزيد من كتابات جاكي مرعب