عندما انطلق زياد الرحباني من نادي بقنايا انطوان الحجل يروي قصة البدايات

عندما انطلق زياد الرحباني من نادي بقنايا  انطوان الحجل  يروي قصة البدايات

"بالنسبة الى ضيعتنا، أنا ابن الضيعة ورقم سجلي واحد"، بهذه الكلمات افتتح الممثل القدير أنطوان الحجل حديثه، مستعيدًا ذكريات ضيعته وملعبه الأول الذي شكّل شخصيته الفنية.

من اشهر النوادي التي عرفها لبنان، كان نادي  بقنايا جل الديب، الذي عرف تجربة غنية مع شخصيات مميزة  حلّقت لاحقًا ومنها بطبيعة الحال زياد الرحباني ومعه جوزف صقر. النادي الذي عرف محطات فنية وشهرة في حينه، انطفأ وانطفأت معه اصوات عدة رحلت، وممثلون وراقصون.  

 وللبداية  دائمًا طعم آخر على لسان الحجل الذي يروي بعض محطاتها. ويقول في البداية  "عُرف النادي باسم "جمعية التعاون الخيري" قبل أن يتحول لاحقًا إلى "الرابطة الاجتماعية". والده وعمّه من مؤسسي النادي، إلى جانب أبرز عائلات  المنطقة،  لكن الانتقال من نشاط خيري واجتماعي إلى نشاط فني وثقافي بدأ مع سامي عطيه، الذي أدخل تغييرات كبيرة على نشاطات النادي. فأنشأ ملاعب لكرة الطائرة وكرة السلة، وأصبح النادي يضمّ فرقًا رياضية مثل "العاصفة" و"الآباء"، لكنه لم ينس الجانب الفني، فبدأ استقطاب الشباب نحو المسرح والفن بطرق مبتكرة.

من هذا النادي انطلق الرحباني. 

يروي الحجل التجارب الاولى "وكيف بدأت الأمور المسرحية مع الياس نادر، وهو حلاق رجالي كبير السن، كان شغوفًا بالكتابة وترجم أول مسرحية تاريخية عرضت على مسرح بقنايا، بمشاركة سامي عازوري. لكن الحدث الأهم جاء مع وصول زياد الرحباني وجوزيف صقر، حين أعلن سامي عطيه أن زياد يريد تقديم مسرحية بعنوان "سهريّة"، ودعا كل من لديه هواية فنية للمشاركة في تجارب الأداء التطوعية نظرًا الى ضعف الإنتاج آنذاك".

يضيف الحجل" كثير من الشباب والصبايا خضعوا لتجربة أداء" في حين انه كان حاضرًا فقط، لم يقدم على الكاستينغ لكنه لم يرفض المشاركة كممثل كومبارس بعد إلحاح من زياد، ومن هنا بدأت رحلته على مسرح بقنايا-جل الديب، المسرح الذي قدّم كبار الفنّانين الذين تركوا بصمتهم في ذاكرة الفن اللبناني، نذكر منهم مادونا، بيار جامجيان.

بعد العرض الأول، شعر زياد بأن "المسرحية يمكن توسيعها"، فقرر عرضها في ما بعد على مسرح الأورلي، مع اضافة مساحة للأدوار الثانوية وشخصيات جديدة ، وبقيت فرقة بقنايا -جل الديب ترافقه. الحجل يستعيد اللحظة التي مازح فيها الممثلة "روزيت" التي لعبت لاحقًا دور "المدام" قائلًا: "شو يا نجيبة، بدك تروحي معي لوصّلك؟"، فسمع زياد الحوار واستوقفه المشهد قائلًا: "شو قلتلّها؟" ليردّ الحجل ساخرًا: "نجيبة" ليُكمل زياد: "رح أعملّك سكيتش". هذا الموقف يوضح طبيعة زياد الفريدة، الذي لم يكن متسلطًا على فريقه، بل كان دائمًا يعتبر نفسه صديقًا وأخًا لكل من عمل معه، ولم يستخدم شهرته أو اسم عائلته لفرض رؤيته الفنية، مما جعل الجميع يشعرون بالثقة والراحة أثناء العمل.

ويستعيد الحجل أيضًا عرضًا خاصًا أقيم في ذكرى مرور 25 سنة على وفاة جوزيف صقر، إذ جسّد غسان عطية شخصية الراحل صقر على مسرح بقنايا في الهواء الطلق يوم 23 أيلول والذي يصادف عيد القديسة تقلا. ورغم تساقط المطر، أصر الممثلون على إكمال العرض، فيما بدأ الجمهور بالانسحاب تدريجيًا، إلا أن زياد بقي جالسًا يتابع المسرحية حتى نهايتها، معبرًا عن تقديره العميق للممثلين. بعد العرض، أشاد زياد بتواضع الحجل قائلاً "حلو التواضع يا أنطوان، من 25  سنة نفس النبرة ونفس الصوت، وما تفلسفت إنك شاغل مسرح وتلفزيون." ليرد الحجل"ولو هيدي ضيعتنا، مار تقلا بتزعل."

يتحدث الحجل عن الفن عند زياد بطريقة تكشف فلسفته العميقة؛ فهو لم يكن يعتقد أن الإبداع يحتاج إلى الانتظار في مكتب أو استوديو، بل يمكن استلهامه في أي وقت وفي أي مكان. ويستشهد بما نقله له زياد عن حديث دار بينه ووالده: عاصي الرحباني"كل كاتب بينطر زقزقة العصافير، ما بيكتب، بمحّي بس."  هذه الروح العفوية جعلت كل من عمل مع زياد يشعر بالحرية والثقة، دون الحاجة إلى الاعتماد على شهرته أو مكانته العائلية.

لكن مع كل هذه الذكريات المضيئة، يصف الحجل الحالة الحالية لمسرح بقنايا-جل الديب بحزن عميق.كل زيارة إلى المسرح تعيده إلى أيام العطاء والإبداع، وتجعله يتأثر بما كان وما أصبح عليه المسرح اليوم. بحسب الحجل، أسباب الركود ترجع إلى ضعف الإنتاج وغياب الجهات التي تتبنى المواهب الشابة، رغم وجود العديد من الشباب الموهوبين الذين كانوا يمكن أن يشكلوا الجيل الجديد للمسرح اللبناني، تمامًا كما كانت الحال في عهد زياد وأولئك الذين عملوا معه من المبدعين الذين شكلوا حقبة ذهبية من النشاط الفني والإبداعي.

مسرح بقنايا لم يكن مجرد مكان للعمل، بل مساحة للتجربة، للإبداع، ولإطلاق الطاقات الفنية للشباب. والمسرح كان ملتقى للأفكار والفن، مكانًا يمكن فيه لأي شخص أن يكتشف نفسه ويجرّب حظه في التمثيل والموسيقى والإنتاج الفني. كل هذه اللحظات التي عاشها الحجل على خشبة المسرح مع زياد، من تجارب الأداء التطوعيّة إلى العروض في الهواء الطلق، تشكّل شهادة حيّة على أهمية المسرح كمختبر للإبداع، وعلى شخصية زياد الرحباني كفنان صادق، يقدّر كل من يعمل معه ويمنحهم الثقة والحريّة ليبدعوا.

 

انطوان الحجل

اقرأ المزيد من كتابات طوني حداد