One Battle After Another عشرة ترشيحات اوسكار لثورة لا تهدأ

تتميز بعض الأعمال السينمائية بتوقيت إصدارها، إذ تتماهى القضية المطروحة في العمل مع ما يحدث على أرض الواقع، فيدخل المشاهد في حالة من التوافق الذهني، مما يسهل عملية تلقي الأحاسيس المستهدفة. وهنا يبرز فيلم "Battle After Another"، تأليف وإخراج Paul Thomas Anderson، ليناقش مفهوم الثورة وتداعياتها على الفرد كما الجماعة.
ومثلما تُبنى الثورات على الفوضى والعنف، بنى المخرج الجزء الأول من الفيلم على الصخب والمشاهد التي تُضفي نكهة حماسية وتشويقية. فتبدأ القصة مع تنفيذ جماعة "French 75" (حركة ليبرالية ثورية) عملية أمنية على الحدود المكسيكية ـ الأميركية، بهدف تحرير مهاجرين محتجزين لدى الشرطة، بمشاركة الثائرين الحبيبين Bob Ferguson الذي يجسد دوره الممثل Leonardo DiCaprio، و Perfidia Beverly Hills، المنحدرة من عائلة معارضة لنظام الحكم، والتي تلعب دورها الممثلة Tiana Tyler.
وتظهر في هذا الجزء علاقة رومانسية محفوفة بالمخاطر، إذ يصر العاشقان على عيش لحظات الحب في خضم كل ما يحدث من تفجيرات وإطلاق رصاص وغيره من الصخب. ويتبين للمشاهد أن الخط الدرامي المقابل للثورة هو سلطة تتجذر فيها العنصرية العرقية والاستئثار بالحكم.
ومن أبرز الشخصيات التي تمثل هذه الطبقة السياسية الفاسدة والمجرمة هي شخصية الكولونيل Lockjaw، التي قدّم من خلالها الممثل Sean Penn أداءً طاغيًا، بإظهاره مبررات نفسية للشخصية دون الإفصاح عنها. فمن خلال لغة جسد دقيقة وحركات عصبية غير عبثية يستطيع المشاهد فهم أن السيكوباتية في الأداء منطقية الوجود دون حَضّ المشاهد على التعاطف معه. فكيف لرجل عنصري طامع بالانضمام لمنظمة سرية للتطهير العرقي تُسمى بـ" "Christmas Adventurers، أن يبتز الثائرة Perfidia ابتزازاً جنسياً، على الرغم من انتمائها للعرق الأسود؟.
أما في الجزء الثاني، بعد غياب شخصية Perfidia ، تاركة خلفها عائلة مكونة من أب وابنة. طوال 16 عاماً تخلى Bob عن ممارساته الثورية في المنظمة خوفاً على ابنته، والتي أدت دورها بشكل لافت الممثلة الشابة Chase Infinity، والتي نجحت بالرغم من تجربتها السينمائية الحديثة.
بتجسيد دور الثائرة النائمة التي تصحو في ما بعد وتتقمص روح والدتها الجامحة، فتظهر وكأنها امتداد لــــ Perfidia وهنا يظهر DiCaprio
بدور الأب الهارب والمعزول الذي يحاول عزل ابنته عن العالم الخارجي خوفًا من أعمال الشغب التي قام بها سابقًا وتداعياتها على العائلة.
أما من ناحية السرد، فهي مهمة أشبه بالمستحيلة أن يخلق المؤلف إيقاعاً سرديًا متوازنًا لفيلم مدته 162 دقيقة، أي ما يقارب ثلاث ساعات، إلا أن المخرج والمؤلف Paul Thomas Anderson لم يحاول تحقيق المستحيل، بل تعامل مع الأمر بمنتهى الذكاء والحيلة، إذ استغل الوقت الميت في الحبكة، والذي تمركز في منتصف السيناريو، وحوله إلى جزء مريح للجمهور بإدخال الحسّ الفكاهي من خلال شخصيات ثانوية يجبر Bob على التعامل معها، مثل الرفيق Josh والمدرب الذي يؤدي شخصيته الممثل Benicio Del Toro والتي تحولت في ما بعد إلى خشبة خلاص لشخصية Bob
الذي قام بمساعدته إلى أقصى الحدود.
أخيراً، لا يغفل المرء عن الإشادة بعمل Jonny Greenwood
الذي استطاع أن يكون شريكًا أساسيًا في نجاح الفيلم من خلال تقديمه موسيقى تصويرية تعتمد في شكل أساسي على نغمات البيانو بمختلف أنواعها. فمن الطبيعي وجود نغمات تشويقية ترتكز على التكرار، إلا أن من الإبداع، المزج بين موسيقى الجاز والموسيقى الأوبرالية، فقد حوّل Greenwood العمل من فيلم سينمائيّ إلى تجربة سينمائية فريدة تنقل المشاهد إلى عالم خياليّ. على عكس أغلب القصص السردية التي شكلت ذاكرتنا الجماعية عالميًا، والتي تنتهي بإنقاذ الأمير للأميرة، كان من الضروري أن تنقذ Willa نفسها دون الحاجة إلى تدخل والدها ليلعب دور البطل، للاشارة مرة أخرى الى أن الثورة أنثى.