ميلوني تكرّس في ثلاث سنوات موقعها الاوروبي

بعد المستشارة الالمانية السابقة انجيلا ميركل، تحصد رئيسة وزراء ايطاليا جورجيا ميلوني في السنة الثالثة لتوليها رئاسة الحكومة، حضورا لافتا متقدما في اوروبا. وتصبح في وقت قصير نسبة لسياسية صاعدة، المرأة الاكثر حضورا في القارة الاوروبية وتعيد دور ايطاليا متقدما في المشهد الاميركي. الصحف والمجلات الاوروبية والعالمية تفرد صفحاتها واغلفتها لها، ودور نشر تهتم بسيرتها. صحيح ان مسيرتها لا تزال في بداياتها، مقارنة بما فعلته ميركل خلال سنوات حكمها، ووثقت تاريخها السياسي وقبله العائلي والاكاديمي في كتاب موسع ، الا ان اي تفصيل ولو صغير عنها اصبح بمثابة علامة فارقة في مسار سياسي تصاعدي.
نسب ميلوني الى اليمين الاوروبي فقط هو تحجيم لموقعها في التركيبة الايطالية، كونها يحصرها في قالب واحد. هي بالتأكيد لا ترفض هذا التوصيف، لكنها في الوقت نفسه حريصة على ايجاد مساحة تمايز وحضور اقوى من دور المرأة الايطالية اليمينية اسوة بقادة اليمين في اوروبا كمارين لوبن، طامحة لتسجيل موقعها كلاعب اوروبي وعالمي على غرار قادة اوروبا التاريخيين.
في لقائها في البيت الابيض الذي ضم قادة اوروبيين الى جانب الرئيس الاوكراني فلاديمير زيلينسكي، وازنت ميلوني بين وحدة اوروبا في الموقف من حرب روسيا في اوكرانيا وبين علاقتها الوثيقة مع الرئيس الاميركي دونالد ترامب منذ انتخابه، وما حاولت القيام به من تسويات معه في موضوع التجارة الاميركية مع اوروبا والرسوم الجمركية.
رئيسة الوزراء التي وصلت الى الواجهة السياسية بفضل معلّمها سيلفيو برلسكوني، انفصلت عنه وانشأت مستقلة حزبها اخوة ايطاليا الذي حصد اعلى نسب المشاركة في الانتخابات التشريعية عام 2021 ما اوصلها الى رئاسة الوزراء. في بلد اعتاد الخضات السياسية والحكومات القصيرة الامد والازمات الداخلية، تمكنت ميلوني خلال سنتين ونصف من رسم سياسة داخلية واضحة، عكس خارجيًا المثل التي ترغب في ديمومتها في ايطاليا خصوصا واوروبا عموما.
قضايا الهجرة والاجهاض والدفاع عن مفهوم العائلة التقليدي والزواج بين امرأة ورجل، والارتباط بكاثوليكية ايطاليا كلها عناوين مزجت فيها شعارات اليمين مع تقاليد ايطالية، كسبت بعضا منها من البيئة التي خرجت منها.
نشأت ميلوني في عائلة متواضعة، والدها هجر العائلة وهي صغيرة، لكن والدتها بفعل اعمال عدة مارستها نجحت في تربية ميلوني التي تتمسك بفكرة العائلة التقليدية، رغم انها لم تتمتع بها. ومع ذلك هو الشعار الذي يتردد في حملاتها الانتخابية. رفض الزواج المثلي، والاجهاض كلها افكار تعكس سياسة تقليدية في تاريخ ايطاليا الحديث. لكنها مع ذلك نجحت في استقطاب شرائح مختلفة من المجتمع الايطالي.
سعت الى التمايز اوروبيا لكن من ضمن عناوين الوحدة الاوروبية فلم تخرج عن الاجماع في الحرب التي شنتها روسيا على اوكرانيا، وسعت الى ان تكون صوتا اساسيا في قضايا الهجرة، والتمدد الى افريقيا حيث بدت في اكثر من قضية تحجز مكانًا لها مقابل تراجع النفوذ والدور الفرنسي. عادة ما كان الفرنسيون ينتقدون اللاستقرار الايطالي في مسيرة الحكومات التي تسقط تباعا. لكن ميلوني قلبت المعادلة وها هي تتقدم على فرنسا التي تستبدل حكوماتها، فيما تقف هي حاصدة تعاطف الايطاليين وثقة الاوروبيين وواشنطن. توازن بين السياسة الاقتصادية وقضايا الدفاع عن الانسان بمفهموها الايطالي والاوروبي واليمني. لكنها لا تزال تؤكد حضورها كسياسية قادرة على ايجاد مساحة بين افكارها والواقعية، فلا تُتهم باليمين المتطرف، بل بسياسية ذات وزن، مقبلة على تحديات الحفاظ على موقعها في المعادلة الايطالية الداخلية والاوروبية.